الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ }.

أي: من المدينة.

قيل: هم سبعون ألفا.

وقيل: كانوا مائة ألف، سار بهم في حر شديد، فنزلوا في قفرة من الأرض، فأصابهم عطش شديد، فسألوا طالوت الماء، فقال لهم طالوت:

{ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ }.

قيل: نهر بين الأردن وفلسطين.

وقيل: هو نهر فلسطين.

[وقيل: إنما قال لهم: إن الله مبتليكم بنهر نبيهم.

وقوله: { فَمَن شَرِبَ } غرفة كفاه، ومن شرب أكثر منه لم يروه؛ لأنهم عصوه. وقيل]

{ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي }.

أي: ليس معي على عدوي، أي: لا يخرج معي.

ويجوز { فَلَيْسَ مِنِّي } من أتباعي وشيعتي.

وجائز أن يكون به ظهور النفاق والصدق { مِنِّي } في الدين.

{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ }.

يقول: { مِنِّي } ، أي معي على عدوي.

فيه دليل أن يسمي الشراب باسم الطعام. والطعام باسمه.

{ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }.

استنثى (الغرفة)، كأنه قال: من شرب منه فليس مني إلا غرفة.

ففيه جواز الثنيا من الكلام المتقدم وإن كان دخل بين حرف الثنيا وحرف الأول شيء آخر. وهو يدل لأصحابنا، رحمهم الله تعالى، حيث قالوا: فيمن أقر، فقال: " لفلان على كُرُّ حنطة وكر شعير إلا نصف كر حنطة " ، أنه يصدق ويلزمه من الحنظة نصف كر. ويحتمل أن يكون الثنيا على ما يليه قوله: { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً }.

وقيل: شرب شرب الدواب. و(الغرفة) هي شرب.

وقوله: { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ }.

قيل: (القليل) هم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً اغترفوا غرفة واحدة بأيديهم، وكانت الغرفة يشرب منها هو وخدمه ودوابه.

وقيل: إنما استثنى الغرفة باليد لئلا يكرعوا كراع الدواب، ففعل بعضهم ذلك، فرد طالوت العصاة منهم، فلم يقطعوا معه، وقطع معه الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً وهو قوله تعالى:

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ }.

قيل: هو قول بعضهم لبعض: { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ }؛ لأنهم أكثر منا، وكانوا مائة ألف، وهو ثلاثمائة وثلاثية عشر. والله أعلم بذلك العدد.

وقوله: { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ }.

قيل: الذين يعلمون ويقرون بالبعث.

{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

أي: عددهم.

وقيل: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } ، يعني يخشون أنهم يقتلون؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على الموت، فطابت أنفسهم بالموت { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً }.

وقوله: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

قال بعضهم: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، أي بأمر الله. لكنه لا يحتمل الغلبة بالأمر، ولكن { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، عندنا: بنصر الله.

وقوله: { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }.

بالنصر والمعونة لهم.

وقوله: { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ }.

يعني لقتالهم.

وقوله: { قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }.

السابقالتالي
2 3