الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } * { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

قوله: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }.

و(المحافظة) هو المفاعلة والمفاعلة هي فعل اثنين. فهو - والله أعلم - أنه إذا حفظها على وقتها ولم يسهو عنها حفظته، وهو كما ذكر في آية أخرى:إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45]. وفي حرف ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: (إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر). فعلى ذلك إذا حفظها على أوقاتها مع أحكامها وسننها، ولم يدخل ما ليس فيها - من الكلام، والالتفات، وغير ذلك مما نهى عنه - حفظته. وكذلك قوله تعالى:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } [آل عمران: 133]، وقوله:سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } [الحديد: 21]، من المفاعلة، فإذا بادر إليها بدرت إليه. وبالله التوفيق.

وقوله عز وجل: { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ }.

اختلف أهل العلم في تأويله:

قال بعضهم: { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } ، أراد كل الصلاة لا صلاة دون صلاة. وهو - والله أعلم - أن الصلاة هي الوسطى، هي من الدين. وهو على ما جاء: الإيمان كذا كذا بضعة، أعلاها كذا كذا، وأدناها كذا، فعلى ذلك قوله: والصلاة هي الوسطى من الدين، ليست بأعلاها ولا بأدناها، ولكنها الوسطى من الدين.

وقال آخرون: { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } ، هي صلاة العصر. وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هي العصر " وذكر في حرف حفصة - رضي الله تعالى عنها -: أنها صلاة العصر.

وقال قائلون: هي الفجر؛ ذهبوا في ذلك إلى أن النهار يجمع الصلاتين، والليل بطرفيه كذلك، فالفجر أوسطها. وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: هي الفجر.

وقال آخرون: هي الظهر؛ ذهبوا في ذلك إلى أنها إنما تقام وسط النهار، فسميت بذلك. وكذلك روي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: هي صلاة الظهر.

ومن قال: هي العصر، ذهب في ذلك إلى ما روي من الخبر، وإلى أن العصر هي الوسطة من صلاتي النهار وصلاتي الليل؛ لأن صلاتين بالنهار قبلها، وصلاتين بالليل بعدها، فهي الواسطة.

والقياس: أن تكون هي المغرب؛ لأن الظهر سميت أولى، والعصر تكون الثانية، فالمغرب هي الواسطة. لكن لم يقولوا به.

وفيه دلالة أن الصلاة وتر؛ لأن الشفع مما لا وسطى له.

ثم جهة الخصوصية - أيها كانت؟ فإن كانت عصراً: فهو ما ذكر أن الكفرة حملوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر، فلم يتهيأ لهم إقامتها، فقالوا: احفظوا عليهم صلاة هي أكرم عليهم من أنفسهم وأموالهم. فظهر بهذا أن لها فضلاً وخصوصية من عند الله ورسوله. وما روي في الخبر أيضاً من قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4