الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله: { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }.

فيه دليل رخصة طلاق غير المدخولات بهن في الأوقات كلها؛ إذ لا يتكلم بنفي الجناح إلا في موضع الرخصة، ولم يخص وقتاً دون وقت. وأما المدخولات بهن فإنه عز وجل ذكر لطلاقهن وقتاً بقوله:إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } [الطلاق: 1]؛ لذلك قال أصحابنا - رحمهم الله تعالى -: أن لا بأس للرجل أن يطلق أمرأته في حال الحيض [إذا لم يدخل بها].

وجهه: أنه إذا كان دخل بها فعرف وقت طهرها ما سبق من الدخول بها، فأمر بالطلاق في ذلك الوقت ليكون أدعى إلى المراجعة إذا ندم على طلاقها. وأما التي لم يدخل بها لا يعرف وقت طهرها لما لم يسبق منه ما به يعرف ذلك الوقت، فلم يؤمر بحفظ ذلك الوقت. ولأنه إذا لم يدخل بها فإن الطلاق بينهما منه، فجعل كل الأوقات له وقتا للطلاق، لما لم يجعل له حق المراجعة قبلها ليكون بعض الأوقات له أدعى إلى ذلك. والله أعلم.

والثاني: أن المدخول بها يتوهم علوقها منه، فجعل لطلاقها وقتاً لتستبين حالها: أحامل، أم لا؟ لئلا يندم على طلاقها؛ لأن الرجل إذا طلق امرأته ثم علم أنها حامل يندم على طلاقها؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا. والله أعلم.

وفيه دليل رخصة طلاق المبين منه إذا لم يملك إمساكها عند الندامة. لأن الطلاق قبل الدخول تبين المرأة من زوجها.

والأصل في الأمرين - جعل الطلاق في وقت حلها للأزواج. وكل الأوقات في غير المدخول بها وقت الحل.

وقوله تعالى: { أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً }.

معناه - ولم تفرضوا لهن فريضة، كأنه عطف على قوله: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ، إلى قوله عز وجل: { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } ، دليله قوله تعالى: { وَمَتِّعُوهُنَّ } ، دل الأمر بالمتعة أن قوله تعالى: { أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ } ، معناه - ولم تفرضوا لهن. ودل قوله عز وجل: { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، أن ذلك في غير المفروض لها؛ حيث أوجب في المفروض نصف المفروض وأوجب ثَمَّ المتعة. ثم يجيء في القياس أن يوجب في غير المفروض نصف مهر المثل إلا المتعة؛ لأنه إذا دخل بها أوجب كل مهر المثل كما أوجب كل المفروض عند الدخول بها، ونصف المفروض عند عدم الدخول بها، لكن أوجب المتعة لوجهين:

أحدهما: أن مهر المثل إنما يقدر بها إذا دخل بها، فإذا لم يدخل بها لم يعرف الزوج ما قدر مهر مثلها؟، فإذا لم يعرف ما قدر مهر مثلها لم يعرف النصف من ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد