الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً }.

قيل: هي ناسخة لقوله:وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } [البقرة: 240]، إنها وإن كانت مقدمة في الذكر، وتلك مؤخرة، { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } ، ناسخة لتلك. إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل؛ ألا ترى إلى ما جاء في الخبر: " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فذكرت: أن بنتاً لها توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، وهي تريد أن تكحلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد كانت] إحداكن في الجاهلية تجلس حولاً في منزلها ثم تخرج عند رأس الحول، فترمي بالبعر، وإنما هي أربعة أشهر وعشرا " فثبت أن ما كان ذلك مما تقدم الأمر به، نسخ بالثاني.

وقال آخرون: إنه قد أثبت في الآية متاعاً أو وصية، ثم ورد النسخ على كل وصية كانت للوارث بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث " وإلا كان الاعتداد الواجب اللازم هو أربعة أشهر وعشراً.

وأمكن أن يستدل بقوله: { فَإِنْ خَرَجْنَ } ، إذا كان على إثر قوله: { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } أن قوله: { فَإِنْ خَرَجْنَ } ، كان النهي على (الإخراج)، دون (الخروج). وهذا أصل في الوصايا بالمتاع: ألا يمنع الرد وإن أجبر على التسليم.

وفي الآية دلالة جواز الوصية بالسكنى إذا بطلت بحق الميراث، لا بحق الوصية - والله الموفق - وهو جائز فيمن لم تنسخ له الوصية.

وأمكن الاستدلال بالآية على عدة الوفاة بالحبل إن ثبت ما روي: " أنه يكون أربعين يوماً نطفة، وأربعين يوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، ثم ينفخ فيه الروح في العشرة ".

فإذا كان ما ذكرنا أمرت بتربص أربعة أشهر وعشر ليتبين الحبل إن كان بها. وإذا كان بهذا معنى العدة فإذا ولدت بدونه انقضت العدة. والله أعلم.

فإن قيل: الأمة أليست لا تختلف عن الحرة في تبيين الحبل، ثم لم يجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا، فإذا لم يجعل ذلك كيف لا بان أن الأمر بتربص أربعة أشهر وعشرا إلا لهذا المعنى؟

قيل: لوجهين:

أحدهما: أن الحرائر هن الأصول في النكاح، وفيهن تجري الأنكحة، فيخرج الخطاب لهن.

والثاني: أنها حق أخذت الحرة، والحقوق التي تأخذ الحرائر هن الأصول في النكاح، إذا صرف ذلك إلى الإماء تأخذ نصف ما تأخذ الحرائر.

والثالث: أنه لا يقصد آجالهن؛ لما فيه رق الولد واكتساب الذل والدناءة.

وروي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: تعتد أبعد الأجلين احتياطاً.

السابقالتالي
2 3 4