الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله: { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ }.

قيل: كان الرجل يحلف ألا يصنع المعروف، ولا يبر، ولا يصلح بين الناس، فإذا أمر بذلك، قال: إني حلفت على ذلك، فنهوا عن ذلك، يقول: لا تحلفوا على أمر هو لي معصية ألا تصلوا القرابة، وألا تبروا، وألا تصلحوا بين الناس، وصلة القرابة خير لكم من الوفاء باليمين في معصية الله تعالى. و " العرضة " العلة، يقول: لا تعللوا، أي: لا يمنعكم أن تبروا أو ما ذكر.

وقوله: { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.

حرفان يخرجان على الوعيد: { سَمِيعٌ } بمقالتكم وأيمانكم، { عَلِيمٌ } بإرادتكم في حلفكم.

وقوله: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى - في قوله: { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }: إن كسب القلوب لا يكون عقداً ولا حنثاً، إنما هو تعمد الكذب.

كقوله:وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب: 5] فعلى ذلك أمر يمين اللغو والتعمد. وهذا يبين أن اليمين يكون في موجود، لا فيما يوجد؛ إذ فيه وصف المآثم، وفيما يكون لم يكسب قلبه ما يأثم فيه. فعلى ذلك أمر اللغو؛ فهو في الماضي، ولا يأثم بالخطأ، ويأثم في غير اللغو بالتعمد.

ثم قال الله تعالى:لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [المائدة: 89]، وبين أن المؤاخذة تكون في هذا بالكفارة وفي الأول بالمأثم، وفي اللغو لا يؤاخذ بهما، فلزم تسليم البيان لما جاء في كل ذلك، ثم جميع المؤاخذات في كسب القلب بالمأثم ولزوم التوبة؛ فكذا في هذا.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر اللعان، أنه قال: " إن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ " ومعلوم كذب أحدهما ولوزم التوبة، مع ما في تركه الوعيد الشديد من الغضب أو اللعن. ولو كانت فيه كفارة لكان لا سبيل إلى العلم بها إلا بالبيان؛ فهي أحق أن يبين لو كانت واجبة، دل ما لم يبين أنها غير واجبة على أنها تجب للحنث، والحنث عقيب العقد يدفعه، وكان هاهنا ملاقيا له، فهو يمنعه على نحو جميع الحرمات التي تفسخ الأشياء، فهي عند الابتداء تمنع. وليس ذلك كالطلاق ونحوه؛ لما قد يكون بلا شرط، واليمين لا يصح إلا به ولم يكن فأنفذ.

وقوله: { وَٱللَّهُ }. وقد يخرج مخرج الاستخفاف الحلف بالله كاذباً والجرأة على الله، فيجيء أن يكون كفراً، لولا أن المؤمن يخطر بباله ما يحمله على ذلك دون قصد الاستخفاف به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6