الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

قوله: { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }.

فالخطاب يحتمل الخصوص والعموم.

وقوله: { ٱعْبُدُواْ }: وحدوا ربكم.

جعل العبادة عبارةً عن التوحيد؛ لأَن العبادة التي هي لله لا تكون ولا تخلص له إلا بالتوحيد. ويقال: { ٱعْبُدُواْ }؛ أي: أَطيعوا له؛ أي: اجعلوا عبادتكم لله، لا تعبدوا غيره، في كلا التأْويلين يرجع إلى الكفرة.

ويقال: { ٱعْبُدُواْ }؛ أَي: أَطيعوا له.

والعبادة جعل العبد كُلِّيته لله قولاً، وعملاً، وعقداً، وكذلك التوحيد، والإسلام.

والطاعة ترجع إلى الائتمار؛ لأَنه يجوز أن يطاع غير الله، ولا يجوز أَن يعبد غير الله؛ لأن كل من عمل بأَمرِ آخر فقد أطاعه؛ كقوله:وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [المائدة: 92] ولا كل من عمل بأمر آخر فهو عابدٌ له، وبالله نستعين.

ثم بين الذي أَمر بالتوحيد إياه وبالعبادة له خالصاً، فقال: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }.

والذين تعبدونهم لم يخلقوكم، ولا خلقوا الذين من قبلكم، فكيف تعبدونهم دون الذي خلقكم؟! وبالله التوفيق.

وقوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

يحتمل وجهين:

يحتمل: تتقون المعاصي، والمناهي، والمحارم التي حرم الله عليكم. فإذا كان هذا هو المراد فذلك راجع إلى المؤمنين.

ويحتمل قوله: { تَتَّقُونَ } الشرك وعبادة غير الله، فذلك راجع إلى الكفرة.

قال الشيخ: الأَحسن في الأَمر بالتقوى والتوحيد أَن يجعل عامّاً، وفي الخبر عن التقوى خاصّاً.

{ لَعَلَّكُمْ } أي: كي تتقوا.

وقوله: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ }.

بَيَّنَ اتقاء الذي أَمر بالتوحيد له، وتوجيه العبادة إليه، وإخلاص النية له؛ فقال: الذي فرش لكم الأَرض لتنتفعوا بها، وتقضوا حوائِجكم فيها، من أنواع المنافع عليها، واتخاذ المستقر والمسكن فيها.

{ وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } أي: رفع السماء بناء.

والسماء: كل ما علا وارتفع، كما يقال لسقف البيت: سماء؛ لارتفاعه.

وسمى السماء بناء - وإن كان لا يشبه بناء الخلق - حتى يعلم أَن البناء ليس اسم ما يبني الناس خاصة.

ثم بين بقوله: { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ }.

أي: وجهوا العبادة إلى الذي ينزل لكم من السماء ماء عند حوائِجكم، ولا تعبدوا من تعلمون أنه لم يخلقكم، ولا أَنزل لكم من السماء ماء، ولا أخرج لكم من ذلك الماءِ ثمرات تكون رزقاً لكم.

بل هو الله الواحد الذي لا شريك له؛ ولأَنه يخلقكم، ويرزقكم، ويخرج لكم من ذلك الماء المنزل من السماء رزقاً تأْكلونه، وماء عذباً تشربونه.

وفي الآية دلالة أن المقصود في خلق السماءِ والأَرض، وإنزال الماءِ منها، وإخراج هذه الثمرات وأَنواع المنافع - بنو آدم، وهم الممتحنون فيها؛ بدلالة قوله: { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } وما ذكر من المخرج والمنزل منها، وما ذكر في آية أخرى:

السابقالتالي
2 3 4