الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }.

{ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، بعد الحرمة { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } ، قبل الحرمة، { وَإِثْمُهُمَآ } ، بعد الحرمة، { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ، قبل التحريم.

والمنفعة في الميسر: بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر، وهو القمار.

وذلك أن نفراً كانوا يشترون الجزور فيجعلون لكل رجل منهم سهماً، ثم يقترعون، فمن خرج سهمه برئ من الثمن حتى يبقى آخر رجل، فيكون ثمن الجزور عليه وحده، ولا حق له في الجزور، ويقتسم الجزور بقيتهم.

وقيل: يقسم بين الفقراء؛ فذلك الميسر.

ثم قال: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، في ركوبهما؛ لأن فيهما ترك الصلاة، وترك ذكر الله، وركوب المحارم والفواحش.

ثم قال: { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } ، يعني التجارة، واللذة، والربح.

ثم اختلف فيه:

قال قوم: إن الخمر محرمة بهذه الآية حيث قال: { إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، والإثم محرم بقوله:قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ } [الأعراف: 33].

وقال قوم: لم تحرم بهذه الآية؛ إذ فيها ذكر النفع، ولكن حرمت بقوله:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } [المائدة: 90]، والرجس محرم، وقال الله تعالى:مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [المائدة: 90]، وعمل الشيطان مرحم.

ثم أخبر في أخرها أنه:يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } [المائدة: 91]، وذلك كله محرم.

والأصل عندنا في هذا: أنهم أجمعوا على حرمة الميسر مع ما كان فيه من المنافع للفقراء وأهل الحاجة والمعونة لهم؛ لأنهم كانوا يقتسمون على الفقراء، فإذا حرم الله هذا ثبت أن المقرون به أحق في الحرمة مع ما فيه من الضرر الذي ذكرنا. والله أعلم.

وقال الشيخ، رحمه الله تعالى، في قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ }: ولم يبين في السؤال أنه عن أي أمرهما كان السؤال؟ وأمكن استخراج حقيقة ذلك عن الجواب بقوله: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، كأن السؤال كان " عما فيهما "؟ فقال: فيهما كذا.

وعلى ذلك قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [البقرة: 220] كأن السؤال عما يعمل في أموال اليتامى، من المخالطة وأنواع المصالح، وكذلك قوله:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]، كأنه قال: عن غشيان في المحيض، إذ في ذلك جرى الجواب فلم يبين في السؤال لما في الجواب دليله، أو لما كان الذين سألوا معروفين يوصل بهم إلى حقيقة ذلك. والله أعلم.

وقيل: هذه الآية تدل على حرمتهما بما قال: { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، وقد قال الله تعالى:قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } إلى قوله:وَٱلإِثْمَ } [الأعراف:33]، ثبت أن الإثم محرم.

وأكثر السلف على أن الحرمة فيهما ليست بهذه الآية، ولكن بقوله:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } [المائدة: 90].

السابقالتالي
2 3 4