الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } * { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قوله: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } ، قال أبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، وآخر معه من الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، قالا: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } ، كلهم كفار إلى أن بعث الله عز وجل فيهم النبيين.

وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } ، مؤمنين كلهم زمن نوح، عليه السلام، الذين كانوا في السفينة إلى أن اختلفوا من بعد، فعبث الله فيهم النبيين.

وقال بعضهم: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } ، مؤمنين كلهم زمن آدم، عليه الصلاة والسلام، إلى أن أنزل الله الكتاب عليهم وبعث فيهم الرسل.

ولو قيل بغير هذا كان أقرب.

قوله: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } ، يعني صنفاً واحداً.

ومعنى الأمة معنى الصنف، كقوله تعالى:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأنعام: 38]، يعني: أصنافا.

ثم خص الله تعالى صنفاً ببعث الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم من بين غيرها من الأصناف تفضيلاً لهم وإكراماً، وبعث كل رسول إلى قومه فيهم كفار وفيهم مؤمنون؛ لأن الأرض لا تخلو من ولي أو نبي، كقوله تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [الإسراء: 70]، ليعلموا أن سائر أصناف الخلق خلقوا لهم ولحاجتهم. وهو قول الحسن.

وكذلك قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه -: أن الأرض لا تخلو عن نبي أو ولي. والله أعلم.

وقوله: { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ } ، لمن أطاعه، { وَمُنذِرِينَ } ، لمن عصاه.

وجائز أن تكون البشارة والنذارة جملة عن الوقوع بما به يقعان مختلف؛ كقوله تعالى:إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [يس: 11]، وقوله:لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1].

وقوله: { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ }.

يحتمل قوله: { لِيَحْكُمَ } ، وجهين.

يحتمل: { لِيَحْكُمَ } ، الكتاب المنزل عليهم بالحق فيما بينهم، وهو كقوله تعالى:وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } [الأحقاف: 12].

وقرأ بعضهم: { لِيَحْكُمَ } ، بالياء، وقرأ آخرون: " لتحكم " ، بالتاء.

فمن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر.

ومن قرأ بالتاء صير الرسول هو المنذر؛ فكذلك في هذا: ليحكم الكتاب بينهم بالحق، وليحكم الرسول بالكتاب فيما بينهم بالحق.

وقوله: { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ }.

يحتمل قوله: { فِيهِ } وجوهاً:

يحتمل: { فِيهِ } ، في محمد صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل: { فِيهِ } ، في دينه.

ويحتمل: { فِيهِ } ، في كتابه.

وقوله: { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }.

أي: ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات والعلم، إما من جهة العقل، وإما من جهة السمع والكتب والخبر، وإما من جهة المعاينة والمشاهدة لكنهم تعاندوا وكابروا وكفروا به بغياً.

السابقالتالي
2 3