قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً }. { ٱلسِّلْمِ } ، فيه لغتان: بالكسر والنصب. فمن قرأ ذلك بالكسر فهو الإسلام. ومن قرأ ذلك بالنصب فهو الصلح؛ كقوله تعالى:{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا... } [الحجرات: 9] إلى آخر الآية. فإن قيل: كيف أمر بالدخول، وهم فيه؛ لأنه خاطب المؤمنين بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... }؟ قيل: بوجوه: أحدها: أنه يحتمل قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بألسنتهم، آمنوا بقلوبكم. ويحتمل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ببعض الرسل من نحو عيسى، وموسى، وغيرهم من الأنبياء، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أمره إياهم بالدخول أمر بالثبات عليه. وقيل: إنه تعالى إنما أمرهم [بالدخول] فيه؛ لأن للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت، لأنه فعل، والأفعال تنقضي ولا تبقى، كأنه قال: يا أيها الذين آمنوا فيما مضى من الأوقات، آمنوا في حادث الأوقات. وعلى هذا يخرج تأويل قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } [النساء: 136]. وقوله: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }. قد ذكرنا تأويله فيما تقدم. وقوله: { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ }. أي: ملتم وتركتم من بعد ما ظهر لكم الحق. وقوله: { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. قيل: { عَزِيزٌ } أي منتقم بميلكم وترككم الحق بعد الظهور. ويحتمل: { عَزِيزٌ } ، أي غني عن طاعتكم له وعبادتكم إياه. وقيل: { عَزِيزٌ } ، من أن يقهر أو يذل أو يغلب؛ لأن العزيز نقيض الذليل. وقيل: { عَزِيزٌ } ، لا يقدر أن يصل إليه، أو يقهره إلا ذل بنفسه، كما يقال: عزيز لا يرام. وقوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }. قيل فيه بوجوه: قيل: { أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } بأمره. وهو قول الحسن. وقيل: { يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } ، أي أمر الله؛ وهو كقوله:{ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [النحل: 33]، وكقوله:{ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام: 158] على إضمار الأمر فيه. وقيل: قوله: { فِي ظُلَلٍ } ، في بمعنى (الباء)، وكأنه قال: يأتيهم الله بظلل من الغمام، وذلك جائز - استعمال (في) مكان (الباء)؛ لأنهما جميعاً من حروف الخفض، والعرب تفعل ذلك ولا تأبى. والأصل في هذا ونحوه: أن إضافة هذه الأشياء إلى الله - عز وجل - لا توجب حقيقة وجود تلك الأشياء منه على ما يوجد من الأجسام، لما يجوز إضافته إلى ما لا يوجد منه تحقيق ذلك، نحو ما يقال: جاءني أمر فظيع، و{ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [الإسراء: 81]، وجاء فلان بأمر كذا، وجاءكم رسول. فذكر المجيء والإتيان لا على تحقيق وجود ذلك منه، فعلى ذلك يخرج ما أضاف الله - عز وجل - إلى نفسه من المجيء والإتيان والاستواء، [ليس على تحقيق المجيء والإتيان والاستواء] منه على ما يكون من الأجسام.