الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً }.

{ ٱلسِّلْمِ } ، فيه لغتان: بالكسر والنصب. فمن قرأ ذلك بالكسر فهو الإسلام.

ومن قرأ ذلك بالنصب فهو الصلح؛ كقوله تعالى:وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا... } [الحجرات: 9] إلى آخر الآية.

فإن قيل: كيف أمر بالدخول، وهم فيه؛ لأنه خاطب المؤمنين بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... }؟

قيل: بوجوه:

أحدها: أنه يحتمل قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بألسنتهم، آمنوا بقلوبكم.

ويحتمل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ببعض الرسل من نحو عيسى، وموسى، وغيرهم من الأنبياء، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقيل: أمره إياهم بالدخول أمر بالثبات عليه.

وقيل: إنه تعالى إنما أمرهم [بالدخول] فيه؛ لأن للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت، لأنه فعل، والأفعال تنقضي ولا تبقى، كأنه قال: يا أيها الذين آمنوا فيما مضى من الأوقات، آمنوا في حادث الأوقات. وعلى هذا يخرج تأويل قوله تعالى:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } [النساء: 136].

وقوله: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.

قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.

وقوله: { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ }.

أي: ملتم وتركتم من بعد ما ظهر لكم الحق.

وقوله: { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.

قيل: { عَزِيزٌ } أي منتقم بميلكم وترككم الحق بعد الظهور.

ويحتمل: { عَزِيزٌ } ، أي غني عن طاعتكم له وعبادتكم إياه.

وقيل: { عَزِيزٌ } ، من أن يقهر أو يذل أو يغلب؛ لأن العزيز نقيض الذليل.

وقيل: { عَزِيزٌ } ، لا يقدر أن يصل إليه، أو يقهره إلا ذل بنفسه، كما يقال: عزيز لا يرام.

وقوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }.

قيل فيه بوجوه:

قيل: { أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } بأمره. وهو قول الحسن.

وقيل: { يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } ، أي أمر الله؛ وهو كقوله:أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [النحل: 33]، وكقوله:أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام: 158] على إضمار الأمر فيه.

وقيل: قوله: { فِي ظُلَلٍ } ، في بمعنى (الباء)، وكأنه قال: يأتيهم الله بظلل من الغمام، وذلك جائز - استعمال (في) مكان (الباء)؛ لأنهما جميعاً من حروف الخفض، والعرب تفعل ذلك ولا تأبى.

والأصل في هذا ونحوه: أن إضافة هذه الأشياء إلى الله - عز وجل - لا توجب حقيقة وجود تلك الأشياء منه على ما يوجد من الأجسام، لما يجوز إضافته إلى ما لا يوجد منه تحقيق ذلك، نحو ما يقال: جاءني أمر فظيع، وجَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [الإسراء: 81]، وجاء فلان بأمر كذا، وجاءكم رسول. فذكر المجيء والإتيان لا على تحقيق وجود ذلك منه، فعلى ذلك يخرج ما أضاف الله - عز وجل - إلى نفسه من المجيء والإتيان والاستواء، [ليس على تحقيق المجيء والإتيان والاستواء] منه على ما يكون من الأجسام.

السابقالتالي
2 3