الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ }.

قيل: التجارة، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون من التجارة في عشر من ذي الحجة، فلما أن كان الإسلام امتنع أهل الإسلام عن التجارة، وأحبوا أن يكون خروجهم للحج خاصة، دون أن يختلط غيره من الأعمال، فرخص الله عز وجل للحاج وطلب الفضل.

وروي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -: أن رجلاً سأله، فقال: إنا قوم نكرى، ويزعمون أنه ليس لنا حج، [فهل لنا حج]؟ فقال: ألستم تحرمون وتقفون؟ فقال: بلى. قال: فأنتم حجاج. وقال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسأله عما سألتني عنه مثله، فلم يجبه حتى أنزل الله تعالى هذه الاية: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنتم حجاج " [وروي عن ابن عباس رضي الله عنه مثله].

وأصحابنا، رحمهم الله تعالى، يرون حج الأجير والتاجر تامّاً، وظاهر القرآن يدل على ذلك. وكان عند القوم أن الاستئجار على الطاعة لا يجوز أمراً ظاهراً حتى سألوا في هذا.

وأصله: أن الحج لا يمنع أفعال غيره، فأشبه الصوم، ويجوز فيه الإجازة، كذا في هذا.

وأما الصلاة فهي مانعة لما سواها من الأفعال؛ فاختلفا.

وقوله: { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰت }.

قيل: إن أهل الجاهلية كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، ومن مزدلفة بعد طلوع الشمس، فأمر أهل الإسلام بالخلاف في الحالين جميعاً: أن يجعلوا الإفاضة من عرفة بعد الغروب، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس. والله أعلم.

وفي الخبر: " خالفوهم في الرجعتين جميعاً ".

والإفاضة: هي الإسراع في المشي في اللغة.

وقيل: الإفاضة: الانحدار.

وقوله: { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ }.

يعني: المزدلفة.

[ويحتمل قوله { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } وجهين:

يحتمل: صلاة المغرب والعشاء]

ويحتمل: الدعاء فيهما جميعاً.

وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: { ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } ، الجبل وما حوله، وهو الجبل الذي يوقف عليه يقال له: " قزح " ، وسمي " جمعاً " ، أيضاً [لأنه يجمع ين المغرب والعشاء في وقت العشاء، وقيل: يمسى جمعاً] لأنه اجتمع فيه أدم وحواء.

وروي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: سمي العرفات عرفات؛ لأن جبريل، صلوات الله تعالى عليه، لما علَّم إبراهيم - عليه السلام - المناسك كان يقول له: عرفت عرفت. والله أعلم ذلك.

وقوله: { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }.

يحتمل وجوهاً:

يحتمل: الأمر بالذكر أمر بالشكر له على ما أنعم عليهم من أنواع النعم.

ويحتمل: { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ } ، وأرشدكم لأمر المناسك.

ويحتمل: الأمر بالتوحيد؛ كأنه قال: وحدوه كما وفقكم لدينه، وعلى ذلك يخرج قوله: { وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } ، عن الهدي وعن المناسك، وعن معرفة النعم والشكر.

السابقالتالي
2 3 4