الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

قوله: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ }.

اختلفوا في تأويله وفي قراءته:

قال بعض الناس: العمرة فريضة بهذه الآية؛ لأنه أمر بإتمامها كما أمر بإتمام الحج.

وقيل: هي الحجة الصغرى.

وأما عندنا: هي ليست بفريضة، وليس في قوله: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } دليل فريضتها؛ لأنا لم نعرف فريضة الحج بهذه الآية، ولكن إنما عرفناه بقوله:وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [آل عمران: 97].

ثم في الأمر بالإتمام وجوه:

أحدها: أنهم كانوا يفتتحون الحج بالعمرة، فأمروا بإتمامها، على ما روي عن عمر، رضى الله عنه، قال: " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج، ومتعة النساء ".

والثاني: أنهم كانوا لا يجعلون العمرة لله، فأمروا بجعلها لله.

وعلى ذلك روي في حرف ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، أنه قرأ: " وأتموا الحج والعمرة لله " [بالرفع على الابتداء، ويحتمل الأمر بالإتمام ما روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما سئلا عن قوله الله: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } قالا]: " من تمامهما أن تحرم من دويرة أهلك ".

واحتج أصحابنا، رحمهم الله تعالى، أيضاً بما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه: " أن رجلاً قال: يا رسول الله، والعمرة واجبة هي؟ قال: لا. وأن تعتمر خير لك ".

وروي أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " الحج مكتوب، والعمرة تطوع " ، وفي بعضها قال: " الحج الجهاد، والعمرة تطوع ".

وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه قال: " الحج فريضة، والعمرة تطوع ".

وعن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: " قلت: يا رسول الله، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري؟ قال: انفري فإنه يكفيك " إلى هذه الأخبار ذهب أصحابنا.

والأصل: احتج أصحابنا أيضاً بشيء من النظر؛ وذلك أن الله تعالى فرض الصلاة والزكاة والصيام في أوقات خصها بها، وأجمع أهل العلم أن المتطوع بالصدقة والصلاة والصيام يفعل ذلك متى شاء، ثم أجمعوا أن العمرة لا وقت لها؛ فدل ذلك على أنها تطوع؛ إذ لو كانت فريضة كان لها وقت مخصوص يفعل فيه كغيرها من الفرائض.

فإن قيل: إن الحج التطوع مخصوص بوقت كمخصوص المفروض منه، فكما لا يدل الخصوص الذي في الحج التطوع على وجوبه، فكذلك العموم الذي في العمرة لا يدل أنها تطوع.

قيل: وجدنا الفرض كله مخصوصاً بوقت، ووجدنا التطوع على ضربين: منه ما هو مخصوص؛ كالحج، ومنه ما هو غير مخصوص؛ كالصلاة والصيام والصدقة. فلما لم نجد في الفرض ما ليس بمخصوص بوقت، [جعلنا كل ما ليس بمخصوص بوقت تطوعاً] غير فرض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد