الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }.

تكلموا فيه بأوجه:

قيل: إنه منسوخ بما بين عز وجل في آية أخرى من حق الميراث.

ومنهم من قال: لم ينسخ.

ثم قيل: فيه بوجهين:

قيل: إنه قد كان ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد في الإسلام، يسلم الرجل ولا يسلم أبواه. فقوله: { كُتِبَ } إنما وقع على من كان لا يرث.

ومنهم من يقول: بأنها كانت للوارث ولم ينسخ، وإنما يقع الأمر في غير من يرث ممن ذكر. لكن في ذلك ذكر (كتب)، وذلك إيجاب.

ولا يحتمل أن يفرض عليهم صلتهم مع التحذير عن اتخاذهم أولياء بقوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } [التوبة: 23]، وقوله:لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } [المجادلة: 22]، وفي إلزام الفرضية من حيث المعروف إبقاء الموالاة وإلزام المحبة، وقد حذر وجود ذلك؛ فثبت أن الآية فيمن يتوارثون اليوم لكنها نسخت. والله أعلم.

ومنهم من يقول: لا، ولكنه وقع على من كان يرث وعلى من كان لا يرث بقوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } ، فهو كان مكتوباً عليهم مفروضاً في حق الوصاية.

ثم من رأى نسخه استدل بقوله:يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } [النساء: 11]، ذكر فيه الوصاية على بيان كل ذي حق حقه. فليس الذي أوصى الله يمنع وصايته التي كتب عليهم. لكن في الآية دليل لم ينسخ بهذه لوجهين:

أحدهما: قوله:يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } [النساء: 11]. فهو وصيته ذكره كذكر الوصاية في الأول، ففيه جعل حق كالحق المجعول لهم إذا لم يذكر ذلك الوصية مع الميراث ثم نفاه.

والوجه الآخر: أنه قال:مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } [النساء: 12]، فجعل حكم الإرث على ذكر الوصية، والإرث بعد الوصية؛ فبان أن لها حكم البقاء.

ثم قيل: فيه بوجهين:

قال قائلون: قوله:يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } [النساء: 11]، لم يكن ميراثاً، ولا هو من أهل الميراث. فحدوث الإرث لا يمنع حق القطع عنه بالمكتوب الأول.

ومنهم من جعل ذلك فيمن كان وارثاً. فورود البيان من بعد يقطع عنه المكتوب له.

ثم من الناس من ادعى نسخ هذا بقوله:لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [النساء: 7]، ولو جعل الوصية له ما جعل الله لهم فيه من النصيب خص به الكثير دون القليل؛ فثبت أن ذلك (الكتاب) رفع عنهم مما جعل لهم الحق في الذي قل أو كثر.

ثم الوجه فيه عندنا: فهو أنه إن لم يكن نسخ بهذه الآيات، على ما قاله بعض الناس، فهو منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3