الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

قيل: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } في نفس التوجه إلى ما ذكر دون الإيمان.

ويحتمل: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } في ذلك، ولكن البر لمن يقصد إليه، إذ قد يقع ذلك لحوائج تعرض، تخرج عن القربة.

ويحتمل: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } في التوجه إلى كذا، ولكن البر في الائتمار لأمره والطاعة له، والبر هو الطاعة في الحقيقة.

وقيل: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } تحويل الوجه إلى المشرق والمغرب، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } ما ثبت في القلب من طاعة الله وصدقته الجوارح.

وقيل: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } أن تصلوا ولا أن تعملوا غير الصلاة. كل ذلك يرجع إلى واحد. وجملته أن يقال: ليس البر كله ذلك، لكن ما ذكر، إذ ذلك الوجه هم استعظموه حتى قال الله تعالى:وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [البقرة: 145].

والثاني: أن يكون ذلك بنفسه ليس ببر، وإنما صار برًّا بالأمر به، أو بما ذكر من الإيمان والخيرات. فلمَّا زال عنه الوجهان سقط فعله أن يكون برًّا.

وقوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } ، بأنه واحد، لا شريك له. يعني صدق بالله بأنه واحد، لا شريك له.

{ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ، وصدق بالبعث الذي [فيه] جزاء الأعمال، وصدق بالكتب، والملائكة، [والكتاب] والنبيين.

وللبر تأويلان:

أحدهما: ما قيل.

والثاني: على الإضمار؛ كأنه قال: ليس البر بر من يولي وجهه، ولكن البر بر من آمن بالله، كما قال:أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } [التوبة: 19]، أي جعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله؟

وقيل: أجعلتم صاحب السقاية كمن آمن بالله؟

وقيل: إن البر بمعنى: البار، يقول ليس البار من يحول وجهه قبل كذا، ولكن البار " من آمن بالله " الآية.

وقوله: { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ }.

قيل: أعطى على حاجته.

وقيل: على قلته آثر غيره على نفسه؛ كقوله:وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9].

وقيل: { عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي ذوي قرابته.

وفيه دلالة أن الأفضل أن يبدأ بصلة قرابته، ثم اليتامى؛ لأن على جميع المسلمين حفظهم؛ ولأنهم أضعف، فيبدأ بهم قبل المساكين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان. قيل: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد ما يغنيه ولا يسأل الناس، ولا يفطن به فيتصدق عليه ".

{ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ }.

قيل: هو الضعيف ينزل بالمسلمين.

وقيل: هو المنقطع - حاج أو غاز - وقيل: هو المجتاز وهو واحد.

{ وَفِي ٱلرِّقَابِ }.

قيل: هم المكاتبون.

{ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } ، ظاهر.

{ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ }.

السابقالتالي
2