الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ }: أي في الكتاب يحتمل هذا وجهين:

يحتمل: أن كتموا ما في كتبهم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وصفته.

ويحتمل: ما كتموا من الأحكام والشرائع من نحو الحدود والرجم وغير ذلك من الأحكام. وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وقوله: { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً }.

قد ذكرنا تأويل هذا فيما تقدم.

وقوله: { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ }.

يحتمل وجهين:

يحتمل: ما يأكلون في دنياهم إلا أوجب ذلك لهم في الآخرة أكل النار.

ويحتمل: ما يأكلون في دنياهم إلا أكلوا في الآخرة عين النار.

وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

قيل: لا يكلمهم بكلام خير، ولكن يكلمهم بغيره، كقوله:قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108].

وقيل: لا يكلمهم غضباً عليهم؛ يقال: فلان لا يكلم فلاناً، لما غضب عليه.

وقوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ }.

قيل: استحبوا الضلالة على الهدى.

وقيل: اختاروا العذاب على المغفرة. وما قاله الكلبي فهو أحسن: أنهم اشتروا اليهودية - التي هى تحصل عذاباً - بالإيمان - الذي يحصل مغفرة - وقد ذكرنا هذا فيما تقدم أيضاً.

وقوله: { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ }.

قيل: فما أدومهم في النار.

وقيل: فما أصبرهم على العمل الذي يوجب لهم النار.

وقيل: فما أجرأهم على عمل أهل النار.

وقيل: ما أعملهم بأعمال أهل النار.

وقال الحسن: فما لهم عليها صبر ولكن ما أجرأهم على النار.

وقد يقال لمن يطول حبسه: فما أصبرك على الحبس. لا على حقيقة الصبر، لكن على وجوده فيه.

وقوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }.

أي: خالفوا. وإلا قد اختلف أهل الإيمان والكفر، ولكن أراد - والله أعلم - بالاختلاف: الخلاف، أي: خالفوا الكتاب ولم يعملوا به.

{ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }.

قيل: لفي خلاف بعيد.

وقيل: لفي ضلال طويل.

وقيل: لفي عداوة بعيدة.

وقيل: حرف " البعيد " في الوعيد إياس؛ كأنه قال: لا انقطاع له.