قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ }: أي في الكتاب يحتمل هذا وجهين: يحتمل: أن كتموا ما في كتبهم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وصفته. ويحتمل: ما كتموا من الأحكام والشرائع من نحو الحدود والرجم وغير ذلك من الأحكام. وقد ذكرنا هذا فيما تقدم. وقوله: { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً }. قد ذكرنا تأويل هذا فيما تقدم. وقوله: { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ }. يحتمل وجهين: يحتمل: ما يأكلون في دنياهم إلا أوجب ذلك لهم في الآخرة أكل النار. ويحتمل: ما يأكلون في دنياهم إلا أكلوا في الآخرة عين النار. وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. قيل: لا يكلمهم بكلام خير، ولكن يكلمهم بغيره، كقوله:{ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]. وقيل: لا يكلمهم غضباً عليهم؛ يقال: فلان لا يكلم فلاناً، لما غضب عليه. وقوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ }. قيل: استحبوا الضلالة على الهدى. وقيل: اختاروا العذاب على المغفرة. وما قاله الكلبي فهو أحسن: أنهم اشتروا اليهودية - التي هى تحصل عذاباً - بالإيمان - الذي يحصل مغفرة - وقد ذكرنا هذا فيما تقدم أيضاً. وقوله: { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ }. قيل: فما أدومهم في النار. وقيل: فما أصبرهم على العمل الذي يوجب لهم النار. وقيل: فما أجرأهم على عمل أهل النار. وقيل: ما أعملهم بأعمال أهل النار. وقال الحسن: فما لهم عليها صبر ولكن ما أجرأهم على النار. وقد يقال لمن يطول حبسه: فما أصبرك على الحبس. لا على حقيقة الصبر، لكن على وجوده فيه. وقوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }. أي: خالفوا. وإلا قد اختلف أهل الإيمان والكفر، ولكن أراد - والله أعلم - بالاختلاف: الخلاف، أي: خالفوا الكتاب ولم يعملوا به. { لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }. قيل: لفي خلاف بعيد. وقيل: لفي ضلال طويل. وقيل: لفي عداوة بعيدة. وقيل: حرف " البعيد " في الوعيد إياس؛ كأنه قال: لا انقطاع له.