الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }.

[يتوجه وجهين:

أحدهما: الإذن في الأكل ما تستطيبه النفس وتتلذذ به، ليكون أرضى وأشكر لله فيما أنعم عليه، ويكون على إرادة الحلال بقوله: { طَيِّبَاتِ } ، فيكون في الآية دليل كون المرزوق حلالاً وحراماً، إذ قيل: " من ذا " ، ولم يقل: " كلوا ذا " ، ولو كان كل الرزق حلالاً لكان يقول: " كلوا مما رزقناكم ". والله أعلم.

ثم حق المحنة التمكين مما يحرم ويحل، ومما ترغب إليه النفس وتزهد. فجائز جميع ذلك كله في الملك وفي الرزق ليمكن لكم من الأمرين بالمحنة، إذ ذلك حق المحنة. والله الموفق.

وقوله: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ] يدل على أن الذي كان لهم الأكل وأمرهم بالتناول منه هو الحلال.

ثم فيه الدليل على أن من الرزق ما هو طيب حلال، وما هو خبيث حرام؛ إذ لو لم يكن منه طيبٌ وخبيثٌ لكان لا يشترط فيه ذكر الطيب، بل يقول: " كلوا مما رزقناكم ".

فإن قيل: فما وجه الحكمة في الامتحان بجعل الخبيث رزقاً لهم؟

قيل: هذا أصل المحنة في كل شيء، يجعل لهم الغذاء؛ فلا يأمرهم بالامتناع عنه، ويجعل لهم قضاء الشهوة في المحرم ويأمرهم بالكف. وهو الظاهر من المحن.

وقوله: { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ }.

على ما أباح لكم من الطيبات.

وقوله: { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.

أي: إن كنتم منه ترون ذلك.

ويحتمل: { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي إياه توحدون.

ويحتمل: { إِن كُنْتُمْ } مِمَّن تعبدونه - أياه تقصدون - فاجعلوا عبادتكم له خالصة، لا تعبدوا غيره ليكون له. ولا قوة إلا بالله.

وقيل: " إن " بمعنى: إذ آثرتم عبادته فاشكروا له.

ويحتمل قوله: { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ } على جميع ما أنعم عليكم من الدين، والنبي، والقرآن وغير ذلك من النعم، أي: كونوا له شاكرين.

وقوله: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ }.

ذكر " الميتة " فمعناه: حرم عليكم الأكل من الميتة والتناول منها، فإذا كان كذلك فليس فيه حرمة ما لا يؤكل والانتفاع به من نحو الصوف، والشعر، والعظم ونحوه.

ألا ترى أن هذا إذا أريد من الشاة وهي حية وأبين منها لم تصر ميتة لا يجوز الانتفاع به، وغيره من اللحم إذا أبين منها صار ميتة؛ لما روي في الخبر: " ما أبين من الحي فهو ميت ".

ولأن الصوف واللبن وغيرهما ليسوا بذوي الروح فيموت باستخراج الروح منها؛ كالحيوان على ما ذكرنا من الخبر.

وروي عن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه سئل عن الأنفحة استخرجت من الميتة، فقال: أفيها دم؟ فقيل: لا.

السابقالتالي
2 3 4