قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ }. يحتمل هذا وجهين: يحتمل: أن آباءهم كانوا أوصوهم ألا يفارقوا دينهم الذي هم عليه، فقالوا عند ذلك: لا ندع وصية آبائنا، كقوله:{ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات: 53]. أو كانوا قوماً سفهاء أصحاب التقليد، فقالوا: إنا قلدنا آباءنا، فلا نقلد غيرهم. وقوله: { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }. يخرج هذا الكلام على وجهين: أي: تقلدون أنتم آباءكم وإن كانوا لا يعقلون شيئاً. ويحتمل: { أَوَلَوْ كَانَ } ، أي: وقد كان آباؤكم لا يعقلون شيئاً فكيف تقلدونهم؟ وهو كقوله:{ قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } [الزخرف: 24]، أي وقد جئتكم. أو أن يقال: من جعل آباءكم قدوة يقتدى بهم؟ وقوله: { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً }. قيل فيه بوجهين: قيل: مثلنا { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ } أي يصوت { بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } يسمعون الصوت ولا يفهمون ما فيه. وقيل: { يَنْعِقُ } بمعنى يُنْعَقُ، ذكر الفاعل على إرادة المفعول؛ كقوله:{ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21] أي مرضية. فعلى ذلك الأولى، وهو في اللغة جائز جار. وقوله: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }. سماهم بذلك وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك؛ لما لم ينتفعوا بها، إذ الحاجة من هذه الأشياء الانتفاع بها؛ ولذلك سماهم سفهاء لما لم ينتفعوا بعلمهم وعقلهم.