الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

قوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ }.

قيل فيه بوجوه:

قيل: { يَتَّخِذُ } يعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً }.

وقيل: { يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } في التسمية. يعني: يتخذ الجواهر التي تصاغ أو تنحت ونحو ذلك، مما يتعلق كونهم بصنيعهم، يسفههم بهذا، أنهم تركوا عبادة من به قامت لهم كل نعمة، وسلم لهم كل خير، وعبدوا ما قد اتخذوه بالمعالجات ولا قوة إلا بالله.

وقيل: { يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } ، أي أشباهاً في التسمية، أو أعدالاً في العبادة، أو شركاء في الحقوق كقوله:وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا... } الآية [الأنعام: 136]، يسفههم بما عبدوا ما قد صنعوه بالصناعة أو النحت، وزينوا بأنواع الزينة، وعلموا أنه لا يملك شيئاً، وأعرضوا بذلك عن عبادة من عرفوه بشهادة جميع العالم به [لهم وعلموا أنه لا يملك شيئاً مما عبدوه ضرّاً ولا نفعاً]، بل لو كان يجوز العبادة لغير الله لكان أولئك الذين اتخذا أولى من المتخذين.

ثم بين عظم سفههم: علمهم بجهلها بعبادتهم، وعجزها عن الدفع عنها، ثم قاموا بنصرها والدفع عنها سفهاً بغير علم.

وقوله: { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ }.

قيل: يحبون عبادة الأنداد وطاعتهم [كحبهم عبادة] الله وطاعته؛ لأنهم يقولون:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، ويقولون:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18].

وقيل: يحبون عبادة الأنداد كحب المؤمنين عبادة ربهم.

وقيل: يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم.

ثم قال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } منهم لآلهتهم.

قيل: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي: أشد حبّاً لأجل الله.

وقيل: أي أشد اختياراً لطاعته، وأكثر ائتماراً وإعظاماً وإجلالاً لأمره من إعظامهم وإجلالهم آلهتهم. والله أعلم.

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي لعبادته منهم لعبادة الأوثان من حيث لا يؤثر المؤمن على عبادة الله، أعني في الاختيار لا فيما يوجد من ظاهر الأحوال في الدارين جميعاً، وهم يتركون عبادة الأوثان بوجود ما هو أعجب منها أو بأدنى شيء من متاع الدنيا.

ثم المحبة - محبة الشهوة والميل إليها، وهو في الخلق، لا يحتمل في الله، ومحبته - الطاعة وإيثار الأمر والإعظام، فهو في الله يحتمل.

وبعد فإن الحب يخرج على الثناء، وعلى العبادة والطاعة، وعلى التبجيل والتعظيم، وقد يخرج على ميل القلوب، فحب الكفرة هذا، وهو حب الجسداني به الذي يولده الشهوة أو يستحسنه البصر.

وحب الله من المؤمنين من هذين الوجهين فاسد، بل هو من الوجوه التي ذكرنا، وقد كان حب الهيبة والرغبة؛ إذ علموا النعم كلها من الله تعالى، وعلموا أن السلطان والعزة لله ولا أحد ينال شيئاً من ذلك إلا بالله، فأوجب ما عنده من النعم الرغبة، وما له من السلطان والهيبة.

السابقالتالي
2 3