الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }.

ذكر هذا الاسم؛ لأن كل معبود يعبد عند العرب يسمون إلهاً؛ كقوله:فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [الصافات: 91]، وكقوله:أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43]؛ لهذا ذكر إن إلهكم الذي يستحق الألوهية والعبادة واحد بذاته، لا واحد من جهة العدد بالخلق ذي أعداد وأزواج وأشكال، بل واحد بذاته وبجلاله وعظمته وارتفاعه وتوحده عن شبه الخلق وجميع معايبهم. يقال: فلان واحد زمانه. يراد لارتفاع أمره وعلو مرتبته، لا بحيث العدد، إذ بحيث العدد مثله كثير.

وقوله: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } ، فيه إثبات إله واحد، وفي قوله: { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } نفى غيره من الآلهة.

فإن قيل: لم كان هذا دليلاً؟ وهو في الظاهر دعوى.

قيل له: دليل وحدانيته في قوله:

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.

خلق السماوات وجعل فيها منافع، وخلق الأرض وجعل فيها منافع للخلق، ثم جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض لبعد ما بينهما؛ إذ لا منفعة للخلق في منافع إحداهما إلا باتصال منافع الأخرى بها من نحو ما جعل من معرفة الطرف في الأرض بالكواكب، وإنضاج الأعناب والثمار وينعها بالشمس والقمر، وجعل إحياء الأرض وإخراج ما فيها من النبات من المأكول والمشروب والملبوس بالأمطار؛ فدل اتصال منافع أحدهما بالآخر وتعلقها به على أن منشئهما واحد؛ لأنه لو كان من اثنين لكان إذا قطع هذا وصل الآخر، وإذا وصل هذا قطع الآخر. فإذ لم يكن، ولكنه اتصل، دل أنه فعل واحد، فهو ينقض على الثنوية والزنادقة قولهم.

وكذلك يدل اختلاف الليل والنهار على أن خالقهما واحد؛ لأنه لو كان اثنين لكان إذا أتى هذا بالليل منع الآخر بالنهار، وإذا أتى أحدهما بالنهار منع الآخر بالليل.

وفيه ذهاب عيش الخلق، وفي ذهابه تفانيهم وفسادهم. فدل أنه واحد.

والثاني: أنه جعل للخلق في الليل والنهار منافعاً، وجعل بعضها متصلة ببعض متعلقة مع تضادهما، كقوله:وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [القصص: 73]. فدل اتصال منافع أحدهما بالآخر مع اختلافهما وتضادهما أن محدثهما واحد.

وفيه دلالة حدوث العالم؛ لما ذكرنا من تغييرها وزوالها من حال إلى حال. [فدل تغييرها وزوالها على إنما حدث زوال مثل هذه الأشياء] بابتدائها وعجزها على قدرة مثلها على أن لها محدثاً.

والثاني: أن كل واحد منهما؛ أعني الليل والنهار، يصير بمجيء الآخر مغلوباً، فلو لا أن كان ثم لغير فيه تدبير، وإلا ما احتمل أن يصير مغلوباً بعد ما كان غالباً، فدل أن لهما محدثاً، وأنه واحد.

السابقالتالي
2 3