الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } * { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }.

قيل: { ٱلْبَيِّنَاتِ } هي الحجج، أي كتموا ما أنزل الله من الحجج التي كانت في كتبهم.

وقيل: كتموا ما بين في كتبهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته.

وجائز أن يكون { ٱلْبَيِّنَاتِ } ما بين للخلق مما عليهم أن يأتوا ويتقوا من الأحكام من الحلال والحرام.

وقوله: { وَٱلْهُدَىٰ }.

قيل: الصواب والرشد.

وقيل: { وَٱلْهُدَىٰ } ما جاءت به أنبياؤهم من شأن محمد صلى الله عليه وسلم [ودينه وأمروا من هديه من تصديقه وقيل: كتموا الإسلام ومن دين الله كتموا محمداً صلى الله عليه وسلم]، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.

[وقوله: { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ } اختلف في الناس.

قيل: هم اليهود كتموا بعد ما بين لهم].

وقيل: بينا للمؤمنين ما كتمهم اليهود من نعته ودينه.

ويحتمل: البيان بالحجج والبراهين.

ويحتمل: البيان بالخبر، أخبر المؤمنين بذلك.

وقوله: { أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ } ، قال بعض أهل الكلام: اللعن: هو الشتم من الله تعالى، لكنا لا نستحسن إضافة لفظ الشتم إليه؛ لأن المضاف إليه الشتم يكون مذموماً به في المعروف مما جبل عليه الخلق. ونقول: اللعن: هو الطرد في اللغة، طردهم الله عز وجل عن أبواب الخير.

وقوله: { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } ، يعني الداعين عليهم باللعن، سموا بذلك " اللاعنين ".

ويحتمل: تستبعدهم عن الخيرات وأنواع البر.

وقيل: { ٱللاَّعِنُونَ } هم البهائم، إذا قحطت السماء، وأسنت الأرض قالت البهائم: منعنا القطر بذنوب بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.

وقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ }.

قيل: { تَابُواْ } عن الشرك، و { وَأَصْلَحُواْ } أعمالهم فيما بينهم وبين ربهم، { وَبَيَّنُواْ } صفة محمد صلى الله عليه وسلم.

وقيل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن الكتمان، و { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا بالكتمان، { وَبَيَّنُواْ } ما كتموا.

وقوله: { فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }.

قيل: يتوب عليهم: يقبل توبة من يتوب.

وقيل: يتوب عليهم، أي: يوفقهم على التوبة.

وقيل: { الرَّحِيمُ }: هو المتجاوز عن ذنبهم في هذا الموضع.

وقيل: الكاشف عن كربهم.

وقوله: { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.

قيل: لعنة الله، هو إدخاله إياهم النار وإخلادهم فيها.

ولعنة الملائكة قوله:أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } [غافر: 50] جواباً لما سألوهم من تخفيف العذاب، كقوله:وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49]، وكقوله:رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [المؤمنون: 107]، فتقول لهم الملائكة:ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]، هذا ما قيل من لعنة الملائكة.

وقيل: لعنة الناس أجمعين، أنهم لما طلبوا من أهل الجنة الماء بقوله:وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50] هذا لعنة الناس. والله أعلم.

وقوله: { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }.

قيل: لا يقالون ولا يردون إلى ما تمنوا، كقوله:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [الأعراف: 53].

وقيل: لا ينظرون ولا يؤجلون.

وقيل: لا يناظرهم خزان النار بالعذاب.