الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

قال دل: قوله: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }. دل أن صعودهما من اللازم في نسكه، وكذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وقال: " نبدأ بما بدأ الله " ، وقد قال الله تبارك وتعالى: { مَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } الآية، ولم يقل: بينهما. فمن لم يصعد الصفا والمروة فلم يطف بهما، مع ما قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } [المائدة: 2]، وفي ترك صعودهما إحلال شعائر الله، إذ قد بين الله أنهما { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ }. وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بينهما على ناقته، ومعلوم أن ناقته لا تصعدهما، فهو عندنا للعذر فعل ذلك، وإلا فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صعدهما واستقبل البيت وقال: " نبدأ بما بدأ الله ".

دليل ذلك ما روي عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنه طاف بينهما على ناقته وبالبيت لعُذر به.

ولا يحتمل أيضاً أن يكون بغير عذر وهو الملقب بالسعي؛ لما فيه من فعل السعي، والراكب لا يسعى.

وقال الشافعي: روي عن جابر بن عبد الله: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة على ناقته ليرى الناس ".

وقال: خبر جابر أولى من خبر ابن جبير؛ فكأنه وقع عنده أنه عن ابن جبير. وذلك عن ابن جبير عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، وهو أولى؛ لأن العذر كامن لا يعرف بالنظر من بعد، وإنما يعرف بالتأمل، أو بالخبر من عند ذي العذر، وعلى هذا خرج خبر ابن عباس، رضي الله عنه، على أن خبر جابر لو صح على ما يروى فهو لما ذكر أنه " يرى الناس " فكأنه أراد أن يعلمهم، وذلك كالتعليم منه، والتعليم عليه لازم، فهو بتركه يلام عليه، فذلك عذر. والله أعلم.

والثاني: أنه يجوز أن يكون فعله ذلك ليس هو فعل ما كان عليه، أنه كيف كان يفعله؟ فكان ذلك لمكان الدلالة للخلق بذلك هو الأمر المتوارث من صنيع الحج والعمرة، أن الأولى يفعلون ما يفعل الحاج، لا على فعل الحج، ولكن على التعليم؛ فعلى ذلك أمر المروى عنه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

ثم اختلف في الطواف بينهما بعد ما قبل: إن الجناح فيه لوجهين:

أحدهما: ما قيل: كان بالصفا صنم وبالمروة صنم فيخرجوا لمكانهما.

وقيل: كان بينهما أصنام، لذلك كان يخرجهم.

السابقالتالي
2