الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

قوله: { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }.

قد ذكرنا تأويل هذه الآية فيما تقدم.

وقوله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }.

قيل فيه بوجوه:

قيل: إن العرب كانت تعرف الموتى من انقطع ذكره، إذا لم يبق له أحد يذكر به من نحو الولد وغيره فيقولون عند موت هؤلاء: إن ذكرهم قد انقطع، فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم مذكورون في ملأ الملائكة.

وقال الحسن: إن أرواح المؤمنين تعرض على الجنان، وتعرض أرواح الكفرة على النيران، فيكون لأرواح الشهداء فضل لذة ما لا يكون لغيرهم من الأرواح. ويكون لأرواح آل فرعون فضل ألم بعرضها على النار ما لا يكون لغيرهم من الكفرة ذلك، فاستوجبوا اسم الحياة بفضل لذة ما يجدون من اللذة على غيرهم.

أخبر عز وجل: أن أرواح الشهداء في الغيب تتلذذ مثل تلذذهم على ما كانت عليه في الأجساد في دنياهم هذه.

وقيل: إن الشهيد حي عند ربه، كما عرف في اللغة: أن الشهيد هو الحاضر، أخبر عز وجل أنهم حضور عند ربهم وإن غابوا عنكم.

وقيل: إن الحياة والموت على ضروب:

فمنها: الحياة الطبيعية، والحياة العرضية، والموت الطبيعي، والموت العرضي.

فالحياة العرضية هي اليقظة، وهي الحياة بالدين، كقوله:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 122]، وكقوله في الحياة بالعلم، إنه ميت بالجهل.

والحياة الطبيعية: هي التي بها قوام النفس.

والموت الطبيعي: هو الذي به فوات النفس.

والشهادة: هي التي بها اكتساب الحياة في الآخرة سمى به { حَيَٰوةٌ }. والله أعلم.

ويحتمل قوله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } ، أي لا تقولوا { أَمْوَاتٌ } ، لما ينفر طبعكم عن الموت، ولكن قولوا { أَحْيَاءٌ } لترغب أنفسكم في الجهاد، إذ هو يرد بحياة الدنيا والدين، مع ما يحتمل أن يكون الله بفضله يجعل لهم ما كان لهم لو كانوا أحياء يعملون. فكأنهم أحياء فيما جعلت لهم حياة الدنيا. والله أعلم.

وقوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }.

وقوله: { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }.

وقوله: { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

قوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ } وما ذكر فيه تذكير من الله عز وجل للخلق؛ لئلا يجزعوا على ما يصيبهم من أنواع ما ذكر، من المصائب.

وفي كل نوع ما ذكر من المصائب إضمار " شيء " ، من نحو { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } و { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ } والله أعلم؛ لأن الله عز وجل أخبر في غير آية من القرآن: أنه خلقهم للموت والفناء، وأن ما أعطاهم من الدنيا والزينة فيها كله للفناء والفوات بقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7