الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

قوله: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }.

نقول - والله أعلم: حيثما كنت من المدائن والبلدان { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، شطره: تلقاءه ونحوه وجهته.

وهذا يبطل قول من يقول: إن الحرم قبلة لمن نأى عن البيت، وبعد من أهل الآفاق، حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام حيث ما كانت من البلدان. وبالله العصمة والتوفيق.

وقال الشيخ رحمه الله تعالى: ذكر المسجد، ومعناه موضعاً منه عرف ذلك بالفحص من البقاع البعيدة والأمكنة الخفية، لا بالظاهر ولا ذكر وصل البيان به.

وقوله: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }.

قيل: { وَإِنَّهُ } تحويل القبلة، هو الحق { مِن رَّبِّكَ }.

وقيل: { وَإِنَّهُ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، هو الحق { مِن رَّبِّكَ } [ويحتمل يعني: القرآن هو الحق من ربك].

وقوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

قد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وقوله: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } على ما ذكرنا.

وقوله: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }.

خاطب الكل، وأمرهم بالتوجه إليه حيثما كانوا، حتى لا يكون هو المخصوص به دونهم.

وقوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }.

تأويل هذا الكلام - والله أعلم - أنه لما اختار اليهود ناحية المغرب قبلة، والنصارى ناحية المشرق بهواهم، فأنزل الله عز وجل:للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة: 142]، وقال: فأينما تولوا وجوهكم شطره، فثم وجه الله. فيقطع عذرهم وحجاجهم بما بين في كتب لهم أنه يحولهم. وذلك معنى قوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }.

وقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.

ثم اختلف في قوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ }.

قيل: أراد بـ " الناس " أهل الكتاب، وأراد بـ " الذين ظلموا " غيرهم من الكفرة.

وتأويله: لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة، ولا الذين ظلموا.

وقيل: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } يعني أهل الكتاب { عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } فيقولوا: ليس هذا الوصف في كتبهم أنه يصلي إلى بيت المقدس وقتاً ثم يتحول إلى الكعبة، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } يقول: إلا من ظلم منهم عليكم في الكلام بلا حجة ولا دليل فيقولوا: ليس هذا الوصف. ومثل هذا جائز في الكلام، يقول لآخر: ليس لك على حجة إلا أن تظلمني بلا حجة.

وقال الفراء: هذا كما يقول الرجل الآخر: الناس لك حامدون إلا الظالم المتعدي عليك، صواب في المعنى، خطأ في العربية. وذكر بيتاً يدل على الجواز.
ما بالمدينة دار غير واحدة   دار الخليفة إلا دار مروان
بمعنى: ولا دار مروان.

وقيل أيضاً: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } على القطع من الأول والابتداء بهذا، أي: لا تخشوا الذين ظلموا في الضرر لكم، ولكن اخشوني في ترككم إياها، وأن يقال: لا تخشوهم بالقتال والغلبة، فذلك لهم منه أمن وإظهار على الأعداء، وعلى هذا يخرج قوله: { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } يعني الأمن من الأعداء، [ولا نعمة أعظم من الأمن وإظهار الحق كقوله:

السابقالتالي
2