الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ }.

قد ذكرنا أنه يخرج على الوعد له.

قوله: { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا }.

قال بعض المُفْتُون: إنه كان يقلب بصره إلى السماء لما يكره أن تكون قبلته قبلة اليهود. ولكن هذا بعيد؛ لأن مثل هذا لا يظن بأحد من المسلمين، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إلا أن يقال: كره كراهة الطبع والنفس، وأما كراهة الاختيار، فلا يحتمل.

ويقال: إنه كان حبب إليه الصلاة حتى لا يصبر عنها، وقد نهى عن الصلاة إلى بيت المقدس، ولم يؤمر بعد التوجه إلى غيرها، فكان تقلب وجهه إلى السماء رجاء أن يؤمر بالتوجه إلى غيرها، أو أن يقال: " قبلة ترضاها "؛ لأنها كانت قبلة الأنبياء من قبل، فلا شك أنه كان يرضاها. وهذا جائز في الكلام. يقول الرجل لآخر: أعطيك شيئاً ترضاه، وإن لم يظهر منه الكراهية في ذلك، ولا التردد.

وقوله: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ }.

وقد ذكرنا القول في القبلة، والاختلاف فيه فيما تقدم.

وقوله: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ }.

يحتمل قوله: { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } على وجهين:

أحدهما: أي علموا أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حق، لكنهم يعاندون ويتبعون هواهم.

والثاني: أي علموا بما بُيِّن له في كتبهم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه سلم، وأنه حق.

وقوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }.

وهو على ما ذكرنا أنه على الوعيد والتهديد. والله أعلم.

وقوله: { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ }.

في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتابعون محمداً صلى الله عليه وسلم في قبلته حيث آيسه عن متابعتهم إياه؛ لأنها لو كانت في أهل الكتاب كلهم لكان لهم الاحتجاج على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوى الكذب عليه؛ لأن من أهل الكتاب من قد آمن. فدل أنهم لم يفهموا من عموم اللفظ عموم المراد، ولكن فهموا من عموم اللفظ خصوصاً. وكان ظاهراً في أهل الإسلام وأهل الكفر جميعاً المعنى الذي وصفنا لك. فظهر أنه لا يجوز أن يفهم من مخرج عموم اللفظ عموم المراد.

وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في موضع الإخبار بالإياس عن الاتباع له. ولا يوصل إلى مثله إلا بالوحي عن الله عز وجل.

وفيه أن كثرة الآيات وعظمها في نفسها لا يعجز المعاند عن اتباع هواه والاعتقاد لما يخالف هواه.

وقوله: { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ }.

فيه الوعد له بالعصمة في حادث الوقت وما يتلوه.

السابقالتالي
2