الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

قوله: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }.

قيل: الابتلاء والامتحان في الشاهد: استفادة علم خَفِيَ عليه من الممتحن والمبتلى به، ليقع عنه علم ما كان ملتبساً عليه.

وفي الغائب لا يحتمل ذلك؛ إِذ الله - عز وجل - عالم في الأَزل بما كان، وبما يكون في أَوقاته أبداً.

ثم يرجع الابتلاء منه إلى وجوه:

أَحدها: أَن يخرج مخرج الأَمر بالشيء أَو النهي عنه، لكن الذي ذكر يظهر بالأمر والنهي؛ فسمي ابتلاء من الله تعالى.

والثاني: ليكون ما قد علم الله أَنه يوجد موجوداً، وليكون ما قد علم أنه سيكونُ كائناً.

وعلى هذا يخرج قوله:حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ } [محمد: 31]، حتى نعلمه موجوداً، كما علم أَنه يوجد؛ كما قال:عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } [الأنعام: 73، التوبة: 94، 105، الرعد: 9، المؤمنون: 92، السجدة: 6]، علم الغيبَ، علم أنه مُوجَدٌ. وَعلم الشهادةَ، عَلِم به موجوداً، حتى يوجد الذي علم أَنه يجاهد منهم - مجاهداً، و[الذي] يصبر منهم صابراً.

ثم اختلف في الكلمات التي ابتلاه بها:

فقال بعضهم: الكلمات: هي التي ذكرت في سورة الأَنعام، وهو قوله:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً } [الأنعام: 76]، ورأَى القمر بازغاً، ورأَى الشمس بازغة، هي الحجج التي أَقامها على قومه بقوله:وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [الأنعام: 83].

وقيل: ابتلاه بعشر ففعلهن: خمسةً في الرأْس، وخمسة في الجسد.

لكن في هذا ليس كبيرُ حكمةٍ؛ إِذ يفعل هذا كل واحد، ولكنَّ الحكمة فيه هي:

ما قيل: إن ابتلاءه بالنار، حيث أُلْقي فيها، فصبر، حتى قال له جبريل: " أَتستعين بي؟ قال: أَمَّا منْك فلا ".

وابتلي بإسكان ذريته الوادي، الذي لا ماءَ فيه، ولا زرع، ولا غرس.

وابتُلي بالهجرة مِن عِندهم، وتركهم هنالك - وهم صغار - ولا ماءَ معهم، ولا زرع، ولا غرس.

وابتلي بالهجرة إلى الشام.

وابتلي بذبح ولده.

ابتلي بأَشياءَ لم يبتل أَحد من الأَنبياء بمثله، فصبر على ذلك.

ففي مثل هذا يكون وجه الحكمة.

وفيه لغة أُخرى: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } بالرفع { رَبُّهُ } بنصب الباء.

ومعناه - والله أعلم -: أَنه سأَل ربه بكلمات فأعطاهن. وهو تأْويل مقاتل. وهو أَن قال: اجعلني للناس إِماماً. قال: نعم. قال: { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } ، قال: نعم قال: { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }. قال نعم. قال: و { ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً }.

قال: نعم. قال: { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }. قال نعم. مثل هذا: سأَل ربه هذا فأَعطاهن إياه.

وقوله: { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }.

يحتمل: جعله رسولاً يقتدى به؛ لأَن أَهل الأديان - مع اختلافهم - يدينون به، ويقرون نبوته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10