الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

قوله: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً }.

قيل: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } يا محمد؛ لتدعوَهم إلى الحق، وهو التوحيد.

وقيل: بالحق: بالقرآن.

وقيل: بالحق: بالحجج والآيات.

{ بَشِيراً } لمن أَطاعه بالجنة، { وَنَذِيراً } لمن عصاه وخالف أمره بالنار.

وقيل: بالحق الذي لله على الخلق، والحق الذي لبعضٍ على بعض؛ لتدعوهم إليه وتدلهم عليه.

وقوله: " ولا تَسْأَل عن أصحاب الجحيم ".

وجائز أن يكون بمعنى: لا تَسْأَل بعد هذا عنهم. ولم يُذكر أَنه سئل عنهم بعده؛ فيكون ذلك آية له بما هو خبر عن علم الغيب.

قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: " ليت شعري! ما فعل أَبواي؟ " فأَنزل الله - تعالى - هذه الآية.

وفيها لغتان: " لا تَسأل " بنصب التاءِ وهو ما ذكرنا.

ويحتمل وجهاً آخر: أَي لا تشتغل بأَصحاب الجحيم؛ فإن ذلك تكلفٌ منك وشُغل.

وفيها لغةٌ أُخرى برفع التاءِ: { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } ، أَي: لا تُسأَل أنت يا محمد عن ذنوب أَصحاب الجحيم؛ وهو كقوله:وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [البقرة: 134، 141]، وكقوله:عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [النور: 54]، وكقوله:وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الأنعام: 164، الإسراء: 15، فاطر: 18، الزمر: 7] ونحوه.

وقوله: { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }.

اختلف في الملة:

قيل الملة: السنة؛ كقوله " بسم الله، وعلى ملة رسول الله " ، وكقوله:ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [النحل: 123].

وقيل: الملة: الدين، كقوله عليه السلام: " لا يتوارث أهل الملتين ".

وقيل: الملة هاهنا: القبلة، وهو كقوله:وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [البقرة: 145].

آيس - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أُولئك دينه وقبلته؛ لأَنهم يختارون الدين، والقبلة؛ بهوى أَنفسهم، لا بطلب الحق، وظهوره، ولزوم الحجة.

وذلك: أَن النصارى إنما اختاروا قبلتهم المشرق؛ لأَن مكان الجبل الذي كان فيه عيسى في ناحية المشرق بقوله:إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [مريم: 16].

واليهود اختاروا قبلتهم ناحية المغرب؛ لأَن موسى عليه السلام كان بناحية المغرب لما أعطى الرسالة وكلمه ربه؛ كقوله:وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } [القصص: 44].

وأما أهل الإسلام فإنما اختاروا الكعبة - شرفها الله - قبلة بالأَمر، لا اتباعاً لهواهم.

والعقل يوجب أن تكون الكعبة قبلة؛ إذ هي مقصد الخلق من آفاق الدنيا، فلما احتيج في الصلاة إلى التوجه إلى وجه كان أَحَق ذلك الموضع الذي جعل للخلق مقاصد أخرى.

ثم قوله تعالى: { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }.

أخبر - عز وجل - رسوله: أن ليس في وسعك إرضاءُ هؤلاء؛ لاختلافهم في الدعاوى في الملل.

السابقالتالي
2