الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } * { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ }.

بالمخادعة للمؤمنين، وإظهار الموافقة لهم بالقول، وإضمار الخلاف لهم بالقلب، والاستهزاء بهم عند الخلوة، والقول فيهم بما لا يليق بهم، وعبادة غير الله. وأَيُّ فساد أَكبر من هذا؟!.

وقوله: { قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }.

بإظهار الموافقة بالقول.

وقوله: { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ }.

أخبر تعالى أنهم هم المفسدون؛ لما أَضمروا من الخلاف لهم، والمخادعة، والاستهزاءِ بهم.

وقوله: { وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }.

الأول: أَي: لا يشعرون أَن حاصل ذلك لا يرجع إليهم.

والثاني: لا يشعرون أن ما كانوا يفعلون الفسادُ.

فإن كان هذا فهو ينقض قول من يقول: بأَن الحجة لا تلزم إلا بالمعرفة، وهو قول الناس؛ لأَنه عز وجل أَخبر بفساد صنيعهم، وإن لم يشعروا به.

وهو كقوله أَيضاً:أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2]: أَخبر بحبط الأَعمال وإن كانوا لا يعلمون.

وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ }.

تحتمل الآية: أَن تكون في المنافقين، وتحتمل: في أَهل الكتاب.

فإن كانت في المنافقين فكأَن قوله: آمنوا يا أَهل النفاق في السر والعلانية، كما آمن أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في السر والعلانية جميعاً، وهو كقوله:فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } [البقرة: 137].

وإن كان في أَهل الكتاب ففيه الأَمر بالإيمان الذي هو إيمان، وهو التصديق. والإيمان عندنا هو التصديق بالقلب؛ دليله قول جميع أَهل التأْويل والأَدب أَنهم فسروا { آمَنُواْ }: صدقوا في جميع القرآن.

وقوله: { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ } الآية.

السفه: هو ضد الحكمة، وهو العمل بالجهل على العلم أَنه يبطل، والجهلُ هو ضد العلم. والسفهُ هو الشتم؛ يقول الرجل لآخر: يا سفيه.

وقوله: { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ }.

يقول بعض المتكلمين: إن هذا شتم من الله لهم، جواباً على المؤمنين، ويستجيزون ذلك على الجواب، وإن لم يجز على الابتداءِ، كالمكر، والكيد، والاستهزاءِ، والخداع ونحوه، فعلى ذلك هذا.

وأما عندنا فهو غير جائِز؛ لأَن من يشتم آخر يذم عليه، وهو عمل السفهاء، فأَخبر عز وجل: أَنهم هم الذين يعملون بالجهل على علمهم أَن دينهم الذي يدينون به باطل، وأَن الدين الذى يدين به المؤمنون حق.

وقوله: { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }.

قيل فيه بوجهين:

أحدهما: لا يعلمون أنهم هم السفهاء.

والثاني: لا يعلمون ما يحل بهم من العذاب لذلك، والله أعلم.

وقوله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }.

يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { قَالُوۤا آمَنَّا }.

أظهروا لهم الموافقة في العلانية، ويضمرون لهم الخلاف في السر.

وقوله: { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ }.

قيل فيه بأَوجه:

قيل: إن شياطينهم؛ يعني الكهنة؛ سموا بذلك لبعدهم عن الحق.

يقال: شَطَن، أَي: بَعُدَ.

السابقالتالي
2 3