الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

قوله: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ }.

فيه تنزيه، نزه به نفسه عما قالوا فيه بما لا يليق، ورد عليهم.

ومعناه - والله أعلم -: أَنَّ اتخاذ الولد، والتبني - في الشاهد - إنما يكون لأَحد وجوهٍ ثلاثة تحوجه إلى ذلك:

إما لشهوات تغلبه؛ فيقضيها به.

وإما لوحشة تأْخذه؛ فيحتاج إلى من يستأْنس به.

أَو لدفع عدو يقهره؛ فيحتاج إلى من يستنصر به ويستغيث.

فإذا كان الله - عز وجل - يتعالى عن أَن تمسه حاجة، أَو تأْخذه وحشة، أَو يقهره عدو، فلأَي شيء يتخذ ولداً؟!.

وقوله: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.

رد على ما قالوا: بأن من ملك السماوات وما فيها، وملك الأَرض وما فيها - لا تمسه حاجة، ولا يقهره عدو؛ إذ كل ذلك ملك له، يجري فيهم تقديره، ويمضي عليهم أَمره وتدبيره، وإنما يرغب إلى مثله إذا اعترض له شيء مما ذكرنا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

فإن عورض بالخلة، قيل: إن الخلة تقع على غير جوهرِ مَنْ منه الخلة، والولدُ لا يكون إلا من جوهره، وإلى هذا يذهب الحسن.

والثاني: أَن الخلة تقع لأَفعال تكتسب، وتسبق منه، فيعلو أَمره، وترتفع مرتبته؛ فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء، وأَما الولد فإنه لا يقع عن أَفعال تكتسب، بل بدو ما به استحقاقه يكون من مولده. وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله:أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } [الأنعام: 101].

والثالث: ما قاله الراوندي: أَنه لا بد من أَن يدعي إلى التسمي، أَو إلى التحقيق؛ إذ في الخلة تحقيق ما به يسمى.

ثم لم يحتمل في هذا تحقيق ما به يسمى، والاسم لم يرد به الإذن، وبالله التوفيق.

ويحتمل قوله: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } وجهاً آخر، وهو أَن يقال: إن ما في السماوات وما في الأَرض، كلهم عبيده وإِماؤه، فأَنتم مع شدة حاجتكم إلى الأَولاد لا تستحسنون أَن تتخذوا عبيدكم وإِماءكم أولاداً، فكيف تستحسنون ذلك لله - عز وجل - وتنسبون إليه مع غناه عنه؟ وبالله التوفيق.

وقوله: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }.

قيل فيه بوجوه:

قيل: إن كل من في السماوات والأرض من الملائكة، وعيسى، وعُزير، وغيرهم - من الذين قلتم: إنه اتخذهم ولداً - قانتون له، مُقِرُّون بالربوبية له، والعبودية لأَنفسهم له.

وقيل: { قَانِتُونَ }: مطيعون؛ أي: كلهم مطيعون متواضعون.

وقيل: القانت: هو القائم، لكن القائم على وجهين: يكون القائم المنتصب على الأَقدام، ويكون القائم بالأَمر والحفظ.

ثم لا يحتمل أَن يراد بالقانت هاهنا: المنتصب بالقدم؛ فرجع إلى الطاعة له وحفظ ما عليه، وهو كقوله:هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }

السابقالتالي
2 3