الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

قوله: { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.

يحتمل هذا وجهين:

يحتمل: أَن قالوا ذلك جميعاً؛ لما أَرادوا أَن يُروا الناس الموافقة فيما بينهم؛ ليرغبوا في دينهم، وينفروا عن دين الإِسلام، وإن كانوا هم - في الباطن - على الخلاف والعداوة.

ويحتمل: أَن يكون ذلك القولُ من كل فريق في نفسه، لا عن كل الفريقين جميعاً على الموافقة.

دليله: قوله: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } دلت الآية أن ذلك القولَ لم يكن من الفريقين جميعاً على الموافقة، ولكن كان من كلٍّ في نفسه على غير موافقة منهم ولا مساعدة، والله أعلم.

ثم في الآية دليلٌ، لزم الدليل على النَّافي؛ لأَنهم نفوا دخول غيرهم الجنَّة بقولهم: { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } فطلبوا بالبرهان بقوله: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أنه لا يدخل فيها سواكم.

فإن قيل: إنهم إذا نفوا دخول غيرهم فيها ادعوا لأنفسهم الدخول، فإنما طولبوا بالبرهان على ما ادعوا، وليس على ما نَفَوا.

قيل: لا يحتمل ذا؛ لأَنهم لم يذكروا دخول أنفسهم تصريحاً، إنما نفوا دخول غيرهم وهو كمن يقول: لا يدخل هذه الدار إلا فلانٌ وفلان، ليس فيه أن فلاناً وفلاناً يدخلان ولكن فيه نفيُ دخول غيرهما.

أَو نقول: نَفَوْا دخول غيرهم تصريحاً، وادعوا لأَنفسهم الدخول مستدلا، وإنما يطلب الحجة على مُصَرَّح قولهم، لا على مستدلَّهم.

أَلا ترى أَن الجواب من الله - عز وجل - بالإكذاب والرد عليهم خرج على ما نفوا دخول غيرهم، وهو قوله: { بَلَىٰ } - يدخل الجنة - { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }.

ألا ترى إلى ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قال: " لا نكاح إلا بشهود " ليس فيه إثبات النكاح إذا كان ثَّم شهود؛ ولكن فيه نفي النكاح بغير شهود تصريحاً.

ألا ترى أَن من قال: لا نكاح إلا بشهود، لا يسأَل أَنْ: لِم قلت: إن النكاح يجوز بالشهود؟ ولكن يسأَل أَنْ: لِمَ قلت: إنه لا يجوز بغير شهود؟ فعلى ذلك قوله: { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } ليس فيه إثبات الدخول لهم تصريحاً، وفيه نفي دخول غيرهم تصريحاً، والله أعلم.

وقوله: { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }.

قد قلنا: إنه خرج مخرج الرد عليهم، والإنكار لحكمهم على الله؛ فقال: بل يدخلها من أَسلم وجهه لله وهو محسن.

ثم اختلف في قوله: { أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ }.

قيل: أخلص دينه لله وعمله.

وقيل: أَسلم نفسه لله.

السابقالتالي
2