الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }.

بيَّن فيها الحلالَ والحرام، وما يُؤْتى وما يُتَّقى، وما يُنْهى وما يُؤْمر.

ويحتمل: الآيات التي أنزلها عليه ليُنْصر بها على المعاندين له، والمكابرين، والله أَعلم.

وقوله: { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

يقول: كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم.

يحتمل: العهودَ التي أُخذت عليهم - في التوراة - أَن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكفروا به بعد الإيمان.

أَو أَخذ عليهم: ألا يكتموا نعته، وصفته، الذي في التوراة لأَحد، فنبذوا ذلك، ونقضوا تلك المواثيق والعهود التي أخذت عليهم.

ثم في الآية دلالة جعل القرآن حجة؛ لأنه قال: { نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم } ، ولو كان في كتبهم ما ادعوا من الحجة والاتباع لأَتوا به معارضاً؛ لدفع ما احتج به عليهم؛ فثبت أَنهم كانوا كذبة في دعاويهم؛ حيث امتنعوا عن معارضته.

وقوله: { وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ }.

أي: وما يكفر بتلك الآيات إلا الفاسقون.

وقوله: { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }.

يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.

{ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ }.

أي: نَعْتُه الذي كان في التوراة موافق لمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقيل: لما جاءَهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة؛ فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة والقرآن، وأَخذوا بكتاب السحر الذي كتبه الشياطين.

ويحتمل: أَن محمداً صلى الله عليه وسلم لما جاءَهم كان موافقاً لما مضى من الرسل، غير مخالف لهم؛ لأَن الرسل كلهم آمنوا به، وصدق بعضهم بعضاً.

وقوله: { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ }.

يحتمل: كتاب الله: التوراة، على ما ذكرنا.

ويحتمل: كتاب الله، القرآن العظيم. والله أعلم.

وقوله: { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.

أي: يعلمون، ولكن تركوا العمل به، والإيمان بما معهم؛ كأَنهم لا يعلمون؛ لما لم ينتفعوا بعلمهم خرج فعلهم فعل من لا يعلم.

أَخبر: أَنهم نبذوا نبذ من لا يعلم، لا أَنهم لم يعلموا، ولكن نبذوه، سفهاً، وتعنتاً، والله أعلم.

وقوله: { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ }.

قيل: تتلو: ما كتبت الشياطين من السحر.

وقيل: تتلو؛ من التلاوة.

وقيل: ما تتلو: ما يروى الشياطينُ من السحر. وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو يرجع إلى واحد.

والآية في موضع الاحتجاج على اليهود؛ لأَنهم ادعوا: أَن الذي هم عليه أُخِذَ عن سليمان عليه السلام، فإن كان كفراً فقد كفر سليمان.

فأَخبر الله - عز وجل - نبيَّه صلى الله عليه وسلم: أَن سليمان ما كفر، ولكن الشياطين كفروا بما علَّموا الناس من السحر.

السابقالتالي
2 3 4 5