قوله: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }. بيَّن فيها الحلالَ والحرام، وما يُؤْتى وما يُتَّقى، وما يُنْهى وما يُؤْمر. ويحتمل: الآيات التي أنزلها عليه ليُنْصر بها على المعاندين له، والمكابرين، والله أَعلم. وقوله: { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. يقول: كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم. يحتمل: العهودَ التي أُخذت عليهم - في التوراة - أَن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكفروا به بعد الإيمان. أَو أَخذ عليهم: ألا يكتموا نعته، وصفته، الذي في التوراة لأَحد، فنبذوا ذلك، ونقضوا تلك المواثيق والعهود التي أخذت عليهم. ثم في الآية دلالة جعل القرآن حجة؛ لأنه قال: { نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم } ، ولو كان في كتبهم ما ادعوا من الحجة والاتباع لأَتوا به معارضاً؛ لدفع ما احتج به عليهم؛ فثبت أَنهم كانوا كذبة في دعاويهم؛ حيث امتنعوا عن معارضته. وقوله: { وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ }. أي: وما يكفر بتلك الآيات إلا الفاسقون. وقوله: { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }. يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. { مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ }. أي: نَعْتُه الذي كان في التوراة موافق لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: لما جاءَهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة؛ فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة والقرآن، وأَخذوا بكتاب السحر الذي كتبه الشياطين. ويحتمل: أَن محمداً صلى الله عليه وسلم لما جاءَهم كان موافقاً لما مضى من الرسل، غير مخالف لهم؛ لأَن الرسل كلهم آمنوا به، وصدق بعضهم بعضاً. وقوله: { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ }. يحتمل: كتاب الله: التوراة، على ما ذكرنا. ويحتمل: كتاب الله، القرآن العظيم. والله أعلم. وقوله: { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }. أي: يعلمون، ولكن تركوا العمل به، والإيمان بما معهم؛ كأَنهم لا يعلمون؛ لما لم ينتفعوا بعلمهم خرج فعلهم فعل من لا يعلم. أَخبر: أَنهم نبذوا نبذ من لا يعلم، لا أَنهم لم يعلموا، ولكن نبذوه، سفهاً، وتعنتاً، والله أعلم. وقوله: { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ }. قيل: تتلو: ما كتبت الشياطين من السحر. وقيل: تتلو؛ من التلاوة. وقيل: ما تتلو: ما يروى الشياطينُ من السحر. وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو يرجع إلى واحد. والآية في موضع الاحتجاج على اليهود؛ لأَنهم ادعوا: أَن الذي هم عليه أُخِذَ عن سليمان عليه السلام، فإن كان كفراً فقد كفر سليمان. فأَخبر الله - عز وجل - نبيَّه صلى الله عليه وسلم: أَن سليمان ما كفر، ولكن الشياطين كفروا بما علَّموا الناس من السحر.