الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً }.

يحتمل هذا وجوهاً ثلاثة:

أحدها: خاطب أهل مكة: إذا أمنتم وعملتم الأعمال الصالحات يرفع الله ما بينكم من التباغض والتعادي، فيبدل مكانه المحبة والمودة، كقوله:وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران: 103] أخبر أنهم صاروا بالإيمان إخواناً مؤلفة قلوبهم بنعمة من الله وفضله.

والثاني: { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } في الجنة، أي: ينزع عنهم ما في قلوبهم من غلّ وغشّ، كقوله:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47].

والثالث: { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } في قلوب الأنبياء والأخيار وأصحاب الدّين؛ لأنهم إنما ينظرون إلى الإنسان لدينه ولخلوصه عمله لله وصفائه له لا إلى الدنيا وما تحويه يده.

وجائز أن يكون على ما رويت الأخبار إن ثبتت: روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحَبَّ الله عبداً نادى قد أحببتُ فلاناً فإحِبُّوه " وكذلك هذا في البغض.

وقال كعب: وجدت في التوراة: أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض حتى يكون بدؤها من الله تعالى ينزلها على أهل السماء، ثم على أهل الأرض، وكذلك قال في البغض، ثم قال: وكذلك وجدت في القرآن، فقرأ هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } يحبّهم ويحببهم إلى المؤمنين في صدورهم، فعلى هذا إن ثبت يجب أن يخاف المرء على نفسه إذا رأى الناس [يكرهونه] أن يكون ذلك من سوء عمله، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ }:

قال بعضهم: يسّرنا تبليغ الرسالة على لسانه حتى بَلَّغَهَا إلى الفراعنة منهم والأكابر الذين كانوا يقتلون من يخالفهم ويستقبلهم بغير الذي هم عليه قولاً وفعلاً، ويعاقبون على ذلك، يسر ذلك عليه حتى بلغها إلى أمثال هؤلاء، وقدر على ذلك من غير أن يقدروا على إهلاكه، حيث أخبر أنه عصمه منهم بقوله:وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67].

وقال بعضهم: يسّره على لسانه حتى قدر على التكلم به والنطق؛ لأنّه كلام ربّ العالمين.

قال أبو بكر الأصم: هذا لا يحتمل؛ لأنه أنزله بلسانه ولسان العرب، فلا يحتمل ألا يقدروا على التكلم بلسانهم.

وقال قائلون: يسره على لسانه حيث جعله بحيث يحفظونه ويقرءونه عن ظهر قلوبهم، ليس كسائر الكتب المتقدمة: أنهم كانوا لا يقدرون على حفظها والقراءة عن ظهر القلب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }؛ وقال في آية أخرى:إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [يس: 11]، وقال في آية أخرى:

السابقالتالي
2