الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } * { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } * { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ } قد ذكرناه.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً }:

كأن هذا القول من الكفرة خرج جواب ما احتج عليهم أهل الإيمان بالآيات التي ذكروا حجاجاً عليهم، فيقولون: إنكم تقولون: إن الدنيا والآخرة لله، فقد وسع علينا الدنيا وضيق عليكم، فعلى ذلك يوسع الآخرة علينا ويضيق عليكم كما فعل في الدنيا؛ إذ لا يجوز أن يوالينا في الدنيا ويعادينا في الآخرة، وعلى هذا قولهم:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35]، فظنوا أنه لما وسع عليهم وأحسن بهم الندى والمجلس كذلك يكونون في الآخرة، فأكذبهم الله، وردّ عليهم ذلك فقال: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }. أخبرهم بما عرفوا هم أنهم كانوا أهل السعة والزينة، ثم أهلكوا بتكذيبهم الرسل وعصيانهم ربهم، فلو كان ما ذكر هؤلاء الكفرة لكانوا لا يهلكون؛ فيلزمهم بما ذكر أن من وسع عليه الدنيا وضيق عليه الآخرة إنما يكون بحق المحنة، لا بحق المنزلة والقدر، وأمّا الثواب والجزاء فهو بحق القدر والمنزلة والخذلان.

وقوله - عز وجل -: { أَثَاثاً } قيل: المتاع والمال، { وَرِءْياً } أي: منظراً.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } ، أي: خيرا وسعة في الدنيا، { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ } هو العذاب والهلاك الذي وعدهم رسول الله في الدنيا، { وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ } القيامة.

وقوله - عز وجل -: { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }:

هذا يدل أن قولهم: { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أرادوا: الخدم والحواشي، حيث قال: { وَأَضْعَفُ جُنداً }.

قال أبو عوسجة: { حَتْماً مَّقْضِيّاً } أي: واجباً، { نَدِيّاً } أي: مجلساً، وأندية: جمع، والأثاث: المتاع، { وَرِءْياً } منظراً، { وَنَمُدُّ لَهُ } أي: نطيل عذابه.

وقال القتبي: { نَدِيّاً } مجلساً، يقال للمجلس: ندي ونادٍ، ومنه قيل: دار الندوة التي كان المشركون يجلسون ويتشاورون بها في رسول الله، والأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، والبشارة، والهيئة.

وقوله: { فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } ، أي: يمد له في ضلالته، { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } ، أي: نرثه المال والولد الّذي قال: { لأُوتَيَنَّ }.

قوله: { وَيَأْتِينَا فَرْداً } لا شيء معه.

وقوله - عز وجل -: { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى }:

جميع ما ذكر الله - عز وجلّ - من زيادة الهداية وابتداء الهداية فهو إنما يزيد له الهداية ويهديه ابتداء إذا كان من العبد رغبة في ذلك وبغية وطلب، [و] إذا كان مهتدياً يزيد له الثبات على ما كان عليه في وقت رغبته وطلبه منه.

أو إن لم يكن مهتدياً يهده ابتداء هداية في وقت رغبته وقبوله، على هذا يخرج عندنا ما ذكر بحق الزيادة أو بحق الابتداء.

السابقالتالي
2