الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قوله - عز وجل -: { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً }.

هذا الكلام يخرج على وجهين:

أحدهما: على إنكار البعث: { لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } أي: ما أخرج حيّاً.

والثاني: على التهزؤ والهزء، جواب ما قال لهم أهل الإسلام: إنكم تبعثون وتحيون، فقالوا عند ذلك: ذلك على التهزؤ بهم والسّخرية.

ثم ذكرهم بدء حالهم حيث لم يكونوا شيئاً فخلقهم فقال: { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } فإن قدر على خلقه في الابتداء ولم يك شيئاً كان على إحيائه وبعثه بعدما كان شيئاً أقدر.

ثم أقسم أنهم يبعثون فقال: { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ } ، أي: لَنجعلهم والشياطين الذين أضلّوهم، كقوله:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ... } الآية [الصافات: 22-23].

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً }:

قال بعضهم: { جِثِيّاً }: جماعات، كقوله:وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } [الزمر: 71].

وقال بعضهم: { جِثِيّاً } على الركب؛ لأنّ أقدامهم لا تحمل؛ لشدّة هول ذلك اليوم.

وقوله - عزّ وجلّ -: { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ }:

قال بعضهم: الشيعة: الصنف، أي: من كل صنف، والشيعة: الأتباع، كقوله:هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } [القصص: 15] أي: من أتباعه.

وقوله - عز وجل -: { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } ، أي: تمرداً وعناداً، والعاتي: هو القاسي المتمرد في عُتُوِّه.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ } ، أي: لنخرجن، أي: نبدأ بهم من كان منهم أشد على الرحمن تمرداً وعناداً وهم القادة والرؤساء منهم، فيقذفون في النّار أولاً، ثم الأمثل [فالأمثل] على المراتب التي كانوا في الدّنيا.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } ، أي: أعلم بمن أولى بها صليّاً، أي: يصلي بالنار، وهم القادة والكفرة.

[وقوله: { يَلْقَونَ غَيّاً } قال أبو عوسجة: الغيّ: [الشرّ]، { جِثِيّاً } ، قال: جماعات، والجاثي: هو الراكب على ركبتيه، والشيعة: الصنف من الناس.

وقال القتبي: { جِثِيّاً }: جمع جاثٍ، وفي التفسير: جماعات.

وقال قتادة في قوله: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } قال: لا سمي لله ولا عدل ولا مثل، كل خلقه يقر له ويعرفه ويعلم أنه خالقه.

وقال بعضهم: لا يسمى أحد باسمه، يعني: بالله.

وقال بعضهم: بالرحمن.

وقوله - عز وجل -: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }.

اختلف فيه: قال بعضهم: الآية في الكفرة خاصّة، واستدلّ بأوّل الآية بقوله: { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ } إلى آخر ما ذكر، والمؤمنون لا يحشرون مع الشياطين، ولكن إنما يحشر الكفار مع الشياطين، كقوله:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية [الصافات: 22-23]، ويكون قوله: { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } على ابتداء منع الورود عليها والنجاة منها.

السابقالتالي
2