قال: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } ، أي: خلف من بعد أولئك الذين وصفهم - عز وجل - بالصلاة لله، والخشوع لله فيها، والبكاء، { خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } ، أي: جعلوها لغير الله، وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها، فإذا جعلوها وصرفوها إلى غير الذي يصلي [إليه] أولئك فقد أضاعوها؛ لأنهم كانوا يصلون للأصنام الصلاة التي كان يصلي أولئك لله. ويحتمل أن يكون قوله: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ }؛ لأن الصلاة هي آخر ما يترك ويضيع؛ لأنه روي في الخبر أنه قال: " سَيُنقَضُ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوةً فَعُرْوَة، أوَّلُها الأمانة، وآخِرُها الصَّلاَة ". وقال بعض أهل التأويل: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } ، إضاعتها: تأخيرها عن مواقيتها، لا أن تركوها أصلاً، فهذا في أهل الإسلام إن ثبت، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } ، أي: آثروا الشهوات على العبادات، وجعلوا الشهوات هي المعتمدة دون العبادات. وقوله - عز وجل -: { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً }: قال بعضهم: الغي: وادٍ في جهنم، لكن هذا لا يجوز أن يقال إلا بالخبر عن رسول الله أنه قال: واد في جهنم. وقال بعضهم: الغي: العذاب. وقال بعضهم: الغي: الشر. وجائز أن يكون سمي جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا بالغواية باسم أعمالهم: غياً، ويجوز تسمية الجزاء باسم سببه، كقوله:{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40] ونحوه. ثم استثنى فقال: { إِلاَّ مَن تَابَ } عن الشرك، { وَآمَنَ } بالله { وَعَمِلَ صَالِحاً }. وقوله - عز وجل -: { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } ، يشبه أن يكون قوله: { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } ، أي: لا ينقصون من حسناتهم التي عملوها في حال إيمانهم لمكان ما عملوا من الأعمال في حال كفرهم، بل يبدل سيئاتهم حسنات على ما أخبر تعالى:{ فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان: 70]، وقال في آية [أخرى]:{ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38] أخبر أنهم إذا آمنوا وانتهوا عن الشرك لا يؤاخذهم بما كان منهم في حال كفرهم، والله أعلم. ثم بيّن أية جنة، فقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } ، ثم يحتمل إيمانهم بالغيب، أي: بالله آمنوا به بالخبر وإن لم يروه، ويحتمل الغيب: الجنة، أي: صدقوا بها وإن لم يروها والنار والبعث بالغيب. وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أي: كان موعوده آتياً، ولكن ذكر { مَأْتِيّاً }؛ لأن كل من أتاك فقد أتيته، فسمّي لذلك { مَأْتِيّاً }. وقوله - عز وجل -: { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } ، وقال في موضع آخر:{ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 25-26] أي: لا يسمعون باطلاً، ولا ما يكره بعضهم من بعض، ولا ما يأثم بعضهم بعضاً إلا سلاماً، والسلام كأنه اسم كل خير وبركة.