قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ }. قال الحسن: هو صلة{ كۤهيعۤصۤ * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 1-2]. يقول: اذكر رحمة ربك إبراهيم، وكذلك يجعل جميع ما ذكر في هذه [السورة] من نحو هذا صلة ذلك، كأنه ذكر { كۤهيعۤصۤ } ، في كل ذلك؛ لأنه يجعل تفسير { كۤهيعۤصۤ } في كل ذلك على ما ذكر على إثره، وكذلك يقول في جميع الحروف المقطعة: إن تفسيرها ما ذكر على إثرها. وأمّا غيره من أهل التأويل فإنه يقول: واذكر لهم نبأ إبراهيم وقصته في الكتاب لهم، واذكر في الكتاب نبأ موسى وخبره وذكره، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }: الصديق: إنما يقال لمن كثر منه ما يستحق ذلك الاسم، وكذلك التشديد إنما يشدد إذا كثر الفعل منه وصار كالعادة له والطبع، فكأنه سمي بهذا لما لم يكن يجعل بين ما ظهر له من الحقوق والفعل وبين وفائها وأدائها إليها نظرة ولا مهلة، بل كان يفي بها ويؤديها كما ظهر له، ولذلك سماه - والله أعلم -: وفيّاً بقوله:{ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 37]، وقال في آية أخرى:{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] سماه: وفيّاً، كانت عادته القيام بوفاء ما ظهر له وإتمام ما ابتلاه به، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ } إذا دعوته { وَلاَ يُبْصِرُ } لو عبدته { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } إذا احتجت إليه وسألته. ويحتمل أن يكون قوله: { مَا لاَ يَسْمَعُ } أي: لا يجيب لو دعوته واحتجب إليه، { وَلاَ يُبْصِرُ } حاجتك إذا احتجت إليه، { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } ، أي: لا ينصرك. وقال بعضهم: { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } من عذاب الله في الآخرة. يقول: كيف لا تعبد من إذا دعوته سمع، وإذا عبدته أبصر، ونصرك إذا احتجت إليه وسألته، والله الموفق. وقوله - عز وجل -: { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } ، أي: من بيان ما يحل بك بعد الموت، إذا مت على ما أنت عليه، { مَا لَمْ يَأْتِكَ } ذلك { فَٱتَّبِعْنِيۤ } إلى ما أدعوك إليه من دين الله، { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } ، أي: ديناً عدلاً سويّاً قيما لا عوج فيه، فهذا يدلّ منه أنه قد أوحى [إليه] في ذلك الوقت، ويشبه أن يكون عرف ذلك استدلالاً منه واجتهاداً على غير وحي، كقوله:{ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ } [الأنعام: 78] حتى انتهى إلى قوله:{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [الأنعام: 79] وكل ذلك كان له من الله؛ ألا ترى أنه قال في آخره:{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }