الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } * { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ }.

قال الحسن: هو صلة قوله:ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] أي: اذكر رحمة ربك مريم.

وقال بعضهم: واذكر نبأ مريم وقصتها في الكتاب.

وقوله - عز وجل -: { إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } ، أي: نحو المشرق.

ثم يحتمل قوله: { إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا } إذا بلغت مبلغ النساء فارقت أهلها، وانتبذت منهم؛ لئلا يقع بصر غير ذي الرحم المحرم عليها، وألا يراها أحد، ولا يصلح النظر إليها.

وقال بعضهم: { مَكَاناً شَرْقِياً } أي: جلست في المشرقة؛ لأنه كان في الشتاء.

وقوله - عزّ وجل -: { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً }:

قال بعضهم: احتجبت من دونهم بالغيبة عنهم.

وقال بعضهم: أخذت من دونهم حجاباً، أي: ستراً.

وقال مقاتل: اتخذت من دونهم الجبل حجاباً وستراً، أي: جعلت الجبل بينها وبين أهلها، فلم يرها أحد منهم.

وقوله - عز وجل -: { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا }:

قال أبيّ بن كعب: هو روح عيسى، أرسله الله إلى مريم في صورة بشر، { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }.

وقال غيره من أهل التأويل: { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا }: جبريل، وقد سمى الله جبريل: روحاً في غير آي من القرآن:رُوحُ ٱلْقُدُسِ } [النحل: 102] وغيره.

{ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } أي: لم يكن به أثر غير البشر.

وقال بعضهم: { بَشَراً سَوِيّاً } لا عيب فيه ولا نقصان، بل كان سويّاً صحيحاً كاملاً، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }.

فإن قيل: كيف تعوذت بالرحمن إن كان تقيّاً، وإنما يتعوذ بالرحمن من الفاجر والفاسق؟ قال الحسن: قوله: { إِن كُنتَ تَقِيّاً } مفصول من قوله: { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ } ، فيكون على الابتداء، كأنها قالت: { إِن كُنتَ تَقِيّاً } لا ينالني منك سوء ولا يمسّني شر.

ويحتمل قوله: { إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي: ما كنت تقيّاً، أي: حيث دخلت عليّ من غير استئذان منك ولا استئمار ما كنت تقيّاً، ويحتمل قوله: { إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي: وقد كنت تقيّاً، فعلى هذا التأويل كأنه دخل عليها على صورة بشر عرفته بالتقى والصلاح، فكأنها قالت: قد كنت عرفتك بالتقى والصلاح فكيف دخلت عليَّ بلا إذن ولا أمر؟! وقد يجوز أن يستعمل (إن) مكان (ما) ومكان (قد)، و [هو] في القرآن كثير، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } هو على الإضمار، كأنه قال: { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } بالقول بأن أهب لك غلاماً زكيّاً، أي: أرسلني إليك بهذا القول وهو قوله: { لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً }.

وفي حرف ابن مسعود: (إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاماً زكيّاً).

السابقالتالي
2 3 4