الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً }

قوله - عز وجل -: { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي: يجول بعضهم في بعض.

ثم يحتمل قوله: { يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، عند السدّ الذي بناه ذو القرنين، يموجون عنده في فتح ذلك السدّ، أو يذكر هذا لكثرتهم وازدحامهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } ظاهره على الماضي، والمراد منه: المستقبل، أي: ينفخ في الصور فيجمعهم جمعاً، ومثل هذا كثير في القرآن يذكر الماضي بحرف المستقبل، والمستقبل بحرف الماضي.

وقوله - عز وجل -: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }.

يحتمل: أن يكون عرضها عليهم قبل أن يدخلوا فيها، كقوله:وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } [الشعراء: 91].

ويشبه أن يكون العرض كناية عن التعذيب بها بعد ما أدخلوا فيها كقوله:ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [غافر: 46]، وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع أن ظلمة الكفر تستر وتحجب نور القلب، ونور كل حاسّة من حواسّه من السمع والبصر والفؤاد وغيره؛ إذ لكل حاسّة من هذه الحواس نور وضياء في سريتها ألا تبصر ولا تسمع الحق والحجة إلا بنورين جميعاً: نور الظاهر، ونور السرية والباطن.

فالكفر يستر ويغطي ذلك النور، فجعل لا يبصر الحق ولا ينظر العبر، ولا يتفكر ولا يتجلى له الحق بنور الظاهر.

وللإيمان نور وضياء، يبصر به، ويسمع، ويرفع له غطاء كل شيء حتى يتجلى له الحق، ويعرف به حسن [كل حسن] وقبح كل قبيح، فهو كما يرى الإنسان الشيء بنور بصره وبنور الهدى، فإذا ذهب أحدهما صار بحيث لا يبصر ولا يرى شيئاً؛ فعلى ذلك إنما يعرف الشيء، ويظهر له حقيقته بنورين: بنور القلب وبنور الحواس، فإذا غطى ظلمة الكفر نور القلب، صار لا يبصر شيئاً، ولا يعتبر، ولا يسمع، ولا ينطق بالحق، والإيمان ينور ذلك ويضيء، فجعل يبصر كل شيء، ويتجلى له الحق من الباطل، وعرفوا الآيات من التمويهات، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } ، فيه وجهان من الدلالة:

أحدهما: أنه نفى عنهم استطاعة السمع، وقد كان لهم السمع؛ فدل أن الاستطاعة التي هي استطاعة الفعل تقترن بالفعل، لا تتقدم ولا تتأخر.

والثاني: فيه دلالة أن هنالك استطاعة، هم يستفيدون بها وعد الله ويستوجبونه؛ فضيّعوها باشتغالهم بغيرها حيث عوتبوا واستوجبوا ذلك العتاب والتوبيخ بالتضييع الذي كان منهم. فلو لم يكن [كذلك لم يكن] للعتاب والتوبيخ الذي عوتبوا ووبخوا معنى.

قال قوم: إنما نفى عنهم ذلك للاستثقال الذي كان منهم.

وقد يقال مثله على المجاز؛ للاستثقال دون الحقيقة، يقول الرجل لآخر: ما استطيع أن أنظر إليك لكذا، وهو ناظر إليه، لكن قد ذكرنا: أنه على الوجه الذي قال: لا أستطيع أن أنظر إليك وهو ناظر إليه، غير مستطيع النظر إليه وهو نظر رحمة وشفقة.

السابقالتالي
2 3