الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

قوله - عز وجل -: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }.

في الآية دلالة أن الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسأل هو عن خبر ذي القرنين؛ لأنه قال { وَيَسْأَلُونَكَ } ، ولم يقل: " سألوك " ، والخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني يدل على ذلك، أيضاً؛ لأنه روى " أن نفراً من أهل الكتاب جاءوا بالصحف والكتب، فقالوا لي: استأذن لنا على رسول الله: لندخلن عليه؛ فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَالِي وَلَهُمْ يَسْأَلُونَ عما لا أعلمُ، إنما أنا عبدٌ لا علم لي إلا ما علّمني ربّي " ، ثم قال: " أَبغني وضوءً أتوضأ به " ، فتوضأ، ثم قام إلى مسجد في بيته، فركع فيه ركعتين، فما انصرف حتى بدا لي السّرور في وجهه، ثم قال لي: " اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي " ، فأدخلهم فلما رآهم النبي قال لهم: " إن شئتم أخبرتكم كما تجدونه في كتابكم " ؛ فهذا إن ثبت يدل أنه نزل عليه نبأ ذي القرنين وخبره قبل أن يسأل.

وأما أهل التأويل قالوا جميعاً: إنه سئل قبل أن ينزل عليه خبره، ثم نزل من بعد السؤال، والله أعلم.

ثم اختلف فيه:

قال الحسن: كان نبيّاً، دليله: ما قال: { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }؛ قال: هذا تحكيم من الله إياه فيما ذكر، ولا يولي الحكم إلا من كان نبيّاً.

وأما علي بن أبي طالب فإنه سئل عن ذلك: كان نبيا أو ملكاً؟ فقال: لا واحد منهما.

وقال غير هؤلاء: إنه كان ملكا؛ يدل على ذلك الخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن خبره وبنائه، قال: فقال رسول الله: " كان غلاماً من الروم أعطي ملكا فسار حتى بلغ كذا... " ، على ما ذكر في الخبر، والأشبه أن يكون أنه كان ملكا؛ ألا ترى أنه قال: { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ }.

أي: ملكنا له الأرض له جملة، ذكر تمكين الأرض له جملة يصنع فيها ما يشاء، لم يخص له ناحية منها دون ناحية، وليس كقوله:أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً... } الآية [القصص: 57]، وكقوله:وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } [الأحقاف: 26]: هاهنا خص مكانا لهم دون مكان، وأما في ذي القرنين ذكر التمكين له في الأرض، لم يخص ناحية منها دون ناحية؛ فهو أن ملكه ومكنه الأرض كلها.

وقول الحسن: إنه حكمه وولى له الحكم - فهذا لا يدل أنه كان نبيّاً؛ لأن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو في ذلك الزمان؛ ألا ترى إلى قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5