قوله: { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا }. هذا الكلام يخرج على وجهين: يخرج على الإنكار عليه، أي: خرقتها؛ لتغرق أهلها، أو لتعيبها، أو لماذا هذا الخرق؟ استفهام لولا قوله: { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }. فإن كان على الأول على الإنكار عليه والردّ - فقوله: { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }: ظاهر، أي: جئت شيئاً عظيماً شديداً. وإن كان على الاستفهام، فهو على الإضمار؛ كأنه قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟! فلئن خرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئاً إمرا عظيماً شديداً؛ وإن كان التأويل على الإنكار - فهو كما يقال لمن يبني بناء ثم يترك الإنفاق عليه في عمارته: بنيت لتخرب أو لتهدم، وكما يقال لمن زرع زرعاً، ثم ترك سقيه: زرعت لتفسده، ونحوه، وإن كان لم يبن لذلك، ولم يزرع لما ذكر، ولكن لما كذلك يصير في العاقبة إذا ترك سقيه أو عمارة ما بنى. فإن قيل: كيف قال له موسى: { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } ، وبعد لم يعلم أن ذلك الخرق مغرق أهلها، وقد يجوز أن يكون غير مغرق؟! قيل: إنما أخبر عما يئول الأمر في العاقبة، والظاهر من الخرق أن يغرق في الآخرة، وهو كما ذكرنا من أمر البناء والزرع: بنيت لتخرب، وزرعت لتفسد، وإن لم يكن بناؤه وزراعته لذلك، فعلى ذلك قول موسى لصاحبه، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }. هذه الآية [ترد] على المعتزلة؛ لأنه قال له: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }: دل أنه كان يحتاج إلى استطاعة تقارن الفعل لا تتقدم الفعل فيكون بها الفعل، وإلا قد كانت له أسباب لو لم يؤثر غيرها لاستطاع الصبر معه؛ دل أن استطاعة الفعل [لا تتقدم على الفعل] ولكن تقارنه. وقال الحسن: إنما يقال هذا؛ للاستثقال كما يقول الرجل لآخر: لا أستطيع أن أنظر إليك بغضا، وهو ناظر إليه، لكن يقال ذلك على الاستثقال والبغض ليس على حقيقة نفي الاستطاعة؛ فعلى ذلك الأوّل، فيقال له هو كما يقال: لا أستطيع أن أنظر إليك نظر الرحمة، فهو وإن كان ناظراً إليه لما ذكر - فهو غير ناظر إليه نظر رحمة وشفقة؛ فهما سواء وهو ما يقوله، والله أعلم. وقوله عز وجل: { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ }. يحتمل هذا الكلام وجوهاً: أحدها: على التعريض من الكلام، أي: لا تؤاخذني بما لو نسيت؛ كقول إبراهيم حيث قال:{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي... } [الصافات: 88-89]، ونحوه، أي: سأسقم. والثاني: على حقيقة النسيان؛ نسي قوله: { فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ } بعدها؛ لما رأى من المناكير في الظاهر، وهكذا كانت عادة الأنبياء أنهم إذا رأوا منكرا لا يملكون أنفسهم حزناً وغضباً على ما رأوا فلا ينكر أن يكون نسي ما قال له.