الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

قوله - عز وجل -: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ }.

أي: لم يمنع الناس أن يؤمنوا إلا التعنت والعناد؛ لأنه قد أكثر عليهم من الحجج والآيات ما لم يعاندوا ولا كابروا؛ لالتزامهم الإيمان بها والتصديق، لكن الذي منعهم عن الإيمان ما ذكرنا من عنادهم وتعنتهم.

{ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }.

وسنة الأولين: الاستئصال والإهلاك؛ فيقول: لا يؤمنون إلا في ذلك، والإيمان لا ينفعهم في ذلك الوقت؛ كقوله:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85].

وقوله: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً }.

أي: عياناً وجهراً.

قال أبو عبيدة: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } ، أي: مقابلة، وقبلا: استئنافا.

وقال مجاهد: { قُبُلاً }: فجأة، وقال: قبيلا.

قال أبو عوسجة: { قُبُلاً } ، أي: مواجهة، وكذلك قبيلا.

وقال القتبي: { قُبُلاً } ، أي: مقابلة وعيانا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }.

أي: لم نرسلهم إلا بما يوجب لهم البشارة والنذارة إنما أرسلوا للأمر والنهي ليأمروا الناس بالطاعة - طاعة الله - وينهوهم عن معاصيه؛ لهذا أرسلوا، فالبشارة لمن اتبع أمرهم وانتهى ما نهوا عنه، والنذارة لمن ارتكب ما نهوا عنه؛ فيكون البشارة للمتبعين لهم في أمرهم والنذارة للمرتكبين المنهي، والله أعلم.

وقوله: { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ }.

ويحتمل قوله: { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ }: ما نسبوه إلى السحر والكهانة والإفك وغيره، به يجادلونه؛ وهو باطل.

أو أن يكونوا عرفوا أن ما يجادلونهم به ويحاجونهم باطل، وأن ما يدعوهم [إليه] الرسول حق وصدق ونور، لكن يعاندونه ويجادلونه، وعندهم [أنهم] على باطل، كقوله:يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ... } [الصف: 8] الآية: عرفوا أنه نور لكنهم عاندوه في المجادلة والمحاجة بالباطل، والله أعلم.

وقوله: { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ }.

أي: ليبطلوا به الحق.

وقوله: { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً }.

قال بعضهم: آياته: الشمس والقمر وغيره، { وَمَآ أُنْذِرُواْ }: ما أنذر به الرسل، هو القرآن. وقال بعضهم: قوله: { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً }: القرآن والحجج التي أقامها وما أمروا به غير القرآن، هي المواعيد - هزوا.

وقال [أصحاب] هذا التأويل: تأويل الأول باطل لا يصح؛ لأنه قال على أثره: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } ، يقول: هذا يدل أنه أراد بالآيات ما ذكرنا من الحجج والبراهين، لا ما ذكر.

وجائز أنهم إذا لم يعملوا بآياته ولم يستعملوها نسبهم إلى الهزء بها والسخرية، وإن لم يهزءوا بها، وهو ما سماهم: عميا وبكما وصما؛ لما لم ينتفعوا بهذه الحواس، ولم يستعملوها فيما جعلت له، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك؛ فإذا كان فعلى ذلك هذا، والله أعلم.

ثم يحتمل مجادلتهم إياهم: ما قالوا: هذا سحر، وكهانة، وإنه إفك، وشعر، ونحوه.

السابقالتالي
2 3