الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }

قوله: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ }.

ذكر الله - عز وجل -: قصة آدم وإبليس في غير موضع من القرآن على الزيادة والنقصان؛ وإنما ذكر كذلك وكرّر لما كذلك كان في الكتب المتقدمة مكرراً معاداً؛ فذكر في القرآن على ما كان في تلك الكتب؛ ليكون ذلك آية لرسالة محمد حيث علموا أنه كان لا يعرف الكتب المتقدمة.

أو أن ما كرره لحاجات كانت لهم ولفوائد تكون في التكرار؛ ليكون لهم عظة وتنبيهاً في كل وقت وكل حال، وقد يكرّر الشيء ويعاد على التذكير والتنبيه، والله أعلم بذلك.

وقوله: { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ }.

اختلف فيه: قال بعضهم: سمي من الجن؛ لأنه كان من الجان الذين يعملون في الجنان؛ فنسب إليهم.

وقال بعضهم: إن من الملائكة قبيلة يقال لها: الجن، فكان إبليس منها؛ فنسب إليها.

وقال الحسن: ما كان إبليس من الملائكة قط طرفة عين؛ ولكنه من الجنّ، كما قال الله فهو أصل الجن، وهو أول من عصى ربه من الجن، [و] إن آدم هو أصل الإنس، وهو أبوهم؛ فعلى ذلك إبليس أبو الجنّ.

وقال بعضهم: { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } ، أي: صار من الجنّ، وكذلك قالوا:وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 34] أي: صار من الكافرين.

وقال بعضهم: { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } ، أي: كان في علم الله في الأزل أنه يكون من الجنّ، وكان في علم الله في الأزل أنه يكون من الكافرين وقت عصيانه ربه وإبائه السجود لآدم. وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم.

وقوله - عز وجل -: { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ }.

قيل: عتا وعصى، وأصل الفسق: الخروج، أي: خرج عن أمر ربّه، وكذلك قال القتبي: ففسق، أي: خرج عن طاعته، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها.

وقوله - عز وجل -: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه أراد بقوله: { مِن دُونِي } نفسه؛ فكأنه قال: أفتتخذونه وذريته أربابا وآلهة من دوني وهم لكم [عدو]، وليسوا بآلهة ولا أرباب؛ فكيف يجوز أن يتخذ العدو ربا وإلها؟!

والثاني: أنه أراد بقوله: { أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي } ، أي: من دون أوليائي؛ فكأنه قال: أفتتخذونه وذريته أولياء من دون أوليائي، وهم لكم عدو، أي: كيف تتخذون الأعداء أولياء، وتتركون من هم لكم أولياء ولا تتخذونهم أولياء؟! والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } ، أي: بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم أن عبدوا إبليس وأطاعوه؛ فبئس ذلك لهم بدلا.

أو أن يكون قوله: { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } ، أي: ما اتخذوا أعداءهم أولياء بدلا عن أوليائه أو بدلا عن ألوهيته وربوبيته.

وقوله: { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ }.

السابقالتالي
2 3