الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

قوله - عز وجل -: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ... } إلى آخر ما ذكر.

جائز أن يكون هذا المثل كان في الأمم المتقدمة وكتبهم، سئل رسول الله عن ذلك ليعلم وليتبين لهم صدقه بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يدعي على ما سئل هو عن قصة ذي القرنين وبنائه ونبأ أصحاب الكهف وأخبارهم؛ ليتبين لهم صدقه؛ إذ علموا أن تلك الأنباء والقصص لا يعلم ولا يعرفها إلا من علم كتاب الله؛ إذ كان ذلك في كتب الله، وهو لم يعرف تلك الكتب؛ لأنها كانت بغير لسانه، ولم يروه اختلف إلى من يعرفها ليتعلم منه، ثم أنبأهم على ما كان في كتبهم، فدل أن ذلك إنما عرف بالله وأنه صادق فيما يدعي من الرسالة، على هذا يجوز أن يقال - والله أعلم - فيكون في ذلك آية لرسالته ونبوته.

أو أن يكون قوله: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ... } إلى آخره، أي: اضرب لهم مثلك ومثلهم مثل رجلين، فيكون مثلك ومثلهم مثل ما ذكر من رجلين... إلى آخره.

أو أن يكون قوله: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ... } أي: اضرب للمعتبرين والمتوسمين مثل رجلين، كل رجلين هذا سبيلهما، يرغب أحدهما في الدنيا وزينتها ويطلبها لا يرى غيرها، والآخر يرغب في الزهد فيها وترك الطلب لها والرغبة في الآخرة، فإن كان على هذا أو ما ذكرنا من ضرب مثله ومثل أولئك، فهو على الابتداء، فيخرج على الاعتبار والتفكر فيما ذكر تنبيها وإيقاظاً، وإن كان على السؤال عما كان فهو ليس على الاعتبار، ولكن على الإنباء أنه رسول، ففيه آية لرسالته ونبوته.

ثم قوله: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } ، أي: بين الجنتين، { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } ، أي: حملها، ولم يقل: (آتتا أكلهما)، خرج على اسم واحد وإن كان في المعنى على التثنية، وذلك جائز في اللغة؛ كقولك: كلتا المرأتين صالحة، وكلانا صالح، وفيه قول الشاعر:
كلانا شاعر من حي صدق   ولكن الرحى نقلوا الثفالي
وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } أي: لم تنقص من ثمرها شيئاً.

وقوله - عز وجل -: { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } أي: أجرينا بينهما مياها جارية.

وقوله: { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } قال بعضهم: من قرأ: { ثَمَرٌ } بالرفع فهو كل ما كان يملك من الجنان وغيرها، ومن قرأ بالنصب فهو على الثمر.

وقال بعضهم: الثمر بالنصب فهو الثمر، والثمر بالرفع فهو جميع الثمار، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } يكلمه أو يجيبه أو ينازعه ويناظره: { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } لا يحتمل أن يكون هذا الخطاب منه على الابتداء؛ لأنه لا يصلح على الابتداء؛ فيشبه أن يكون كان من صاحبه له وعيد وتخويف، فعند ذلك قال له ما ذكر.

السابقالتالي
2 3 4