الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

قوله - عز وجل -: { أَمْ حَسِبْتَ }.

قيل: أحسبت.

وقيل: قد حسبت.

ويحتمل بمعنى: بل حسبت، كقوله:أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ } [الشورى: 24] أي: بل يقولون، فعلى ذلك قوله: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ }.

وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من الله يكون على الإيجاب والإلزام، ثم هو يخرج على وجهين:

أحدهما: على الأمر: احسب واعلم: أن أبناء الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً.

أو ما ذكرنا: بل حسبت، وهو كذلك.

أو يقول: لا تحسبن أن أصحاب الكهف والرقيم من آياتنا عجبٌ ليس أعجب منها، بل أتاك آيات أعجب منها بكثير، والله أعلم.

ثم اختلف في { وَٱلرَّقِيمِ } قال بعضهم: { وَٱلرَّقِيمِ }: الكتاب؛ كقوله:كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [المطففين: 9]، أي: مكتوب.

وقال بعضهم: { وَٱلرَّقِيمِ }: الوادي الذي فيه كهفهم.

وقيل: { وَٱلرَّقِيمِ }: اللوح الذي كتب فيه أسامي الفتية.

وقيل: { وَٱلرَّقِيمِ }: القرية التي خرجت الفتية منها وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: ما أدري ما الرقيم؟ لكني سألت كعباً عنها فزعم أنها القرية التي خرجوا منها.

وقيل: { وَٱلرَّقِيمِ }: الكلب الذي كان معهم.

قالوا أمثال ما ذكرنا، وليس بنا إلى معرفة الكهف والرقيم حاجة، إنما ذلك بلسانهم ولم يسألوا عن الكهف والرقيم، وإنما سألوا عن أصحاب الكهف والرقيم مما ينبغي لهم أن يشتغلوا به.

ثم قال أهل التأويل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم، فقال: أخبركم غداً ولم يستثن، فعاقبه الله فيه أن حبس عنه الوحي كذا وكذا يوماً، فنزل:وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 23-24].

لكن ذلك فاسد، وما توهموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم محال؛ لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول الله يقول: (أخبركم غداً) والله لم يأمره بذلك، أو قال ولم يستثن؛ فيحبس الله الوحي عنه، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال إنه يخبرهم؛ فيظهر كذبه عندهم بعدما اختاره لرسالته، واصطفاه لموضع وحيه، ثم يكذبه فيما أخبر؛ هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على الله وعلى رسوله، قد كان من كفار مكة السعي في منع رسول الله عن تبليغ الرسالة إلى الناس، والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم، واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم، وقد ذكر في غير قصة وخبر: أنهم سألوا اليهود عنه، وعن نعته: هل تجدون نعته في كتبكم؟ أن لم يكونوا أهل كتاب يعلمون ذلك؛ فاحتاجوا إلى من يعلمهم ويخبرهم عنه، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره، فقالوا: نجد نعته في كتابنا كما يقولون، فهذا وقت خروجه وأوانه، فقالوا لهم: حدثونا بشيء نسأله لا يعلمه إلا نبيّ، فقالوا: سلوه عن ثلاث خصال، فإن أجابهن، فهو نبي، وإلا فهو كذاب، اسألوه عن أصحاب الكهف، واسألوه عن ذي القرنين فإن كان ملكاً، وكان من أمره كذا وكذا، واسألوه عن الروح، فإن أخبركم فهو نبي، وإن لم يخبركم فهو كذاب، فسألوه، فأخبرهم عن ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5