الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } * { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }.

معنى: التأنيث في قوله { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } قيل بوجوه:

قيل: إن هذا القرآن يهدي للملة التي هي أقوم الملل وأعدلها، والملة هي الدين، دين الله.

وقال بعضهم: يهدي إلى الأمور التي هي أعدل الأمور وأصوبها.

وقيل: يهدي إلى السبيل التي هي أقوم السبل وأعدلها.

يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها.

وجائز أن يكون قوله: { يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } ، أي: للأعمال الصالحات وللخيرات، لأن الأعمال الصالحات قوامها به.

ثمّ قوله: { يَِهْدِي }: يحتمل وجهين: يحتمل: يبين، والثاني: يدعو؛ فهو يهدي الكل لو استهدوا، لكن خص هؤلاء لما منفعة تكون لمن ذكر، وقد ذكرنا أن هذا القرآن وغيره من كتب الله هدى ورحمة يدعو إلى ثلاث خصال: إلى معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال ومصالحها. وينهى عن مساوي الأعمال، وداني الأمور، وسوء الأخلاق ودناءتها؛ فهو هدى ورحمة على ما أخبر لمن استهدى به، ورشد لمن استرشد.

وقوله - عز وجل -: { وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ }.

البشارة المطلقة إنما جعلت للمؤمنين الذين عملوا الصالحات، لم يذكر للمؤمنين خاصّة على غير العمل الصالح؛ فالمسألة فيهم غير المسألة في هؤلاء.

وفيه دلالة أنه يقع اسم المؤمنين بدون العمل الصالح؛ لأنه قال: { ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ }؛ دلّ أن ذلك الاسم يقع بدون ذلك الاسم.

وفيه دلالة أن اسم الإيمان قد يستحق بدون العمل الصالح؛ حيث يشرط فيه العمل الصالح.

وقوله - عز وجل -: { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }.

سماه كبيراً؛ لكبير خطره عند الله، كما سمى عذاب النار عظيماً؛ لعظم خطره عنده، أو سماه كبيراً؛ لأنه أكبر ما يقصد إليه ويرغب فيه، وهو ثواب الجنة، والنار أعظم ما يحذر بها ويرهب عنها.

وقوله - عزّ وجلّ -: { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.

إنكارهم البعث، وكفرهم به - هو الذي حملهم على تكذيبهم الرسل وكفرهم بالله، ليسلم لهم شهواتهم في الدنيا؛ لأن الرسل جميعاً دعوهم إلى ترك شهواتهم في الدنيا، ورغبوهم بما يوجب لهم الثواب في الآخرة وحذروهم عما يوجب العقاب، فأنكروا الآخرة والبعث رأساً ليسلم لهم الدنيا فذلك الذي حملهم على إنكار الرسل وتكذيبهم إياهم؛ ألا ترى أنه قال:وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [الأنعام: 92] أي: بالقرآن أو بمحمدّ، إيمانهم بالبعث حملهم على الإيمان بالقرآن والرسول، وتكذيبهم الآخرة حملهم على تكذيب الرسل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ }.

قال بعضهم: إذا غضب الإنسان يدعو على نفسه وولده وأهله، ويلعن، كدعائه عليهم بالخير؛ لذلك انتصب قوله: { دُعَآءَهُ }.

وقال الحسن: إن الإنسان يتضايق صدره وقلبه بأدنى شيء يكره؛ فيلعن على نفسه وأهله؛ فلا يجيبه الله، ثم يدعو بالخير؛ فيعطيه، أو نحوه من الكلام.

السابقالتالي
2 3 4 5