الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } * { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ }:

فيشبه أن يكون النعمة التي ذكر هو محمد؛ لما ذكرنا أنهم كانوا في حيرة وعمى لا يجدون السبيل إلى دين الله،وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [فاطر: 42] فذلك الإعراض الذي ذكروا، والله أعلم، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى دين الله ويبين سبيله، فذلك منه نعمة عظيمة أعرضوا عنها وتباعدوا عنها.

ويشبه أن يكون ما قاله أهل التأويل إنه إذا وسع عليه الرزق والعيش أعرض عن الدعاء له وتباعد بجانبه.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } ، أي: يائساً من الخير ألا يعود إليه أصلاً، وهكذا كانت عادتهم أنهم [كانوا] يخلصون الدعاء له إذا مسّهم سوء وأصابتهم شدة، ويكفرون به إذا تجلى ذلك عنهم وانكشف، كقوله:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ... } الآية [العنكبوت: 65]. { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ... } الآية. وأمثاله، وكان الناس كلهم فرقاً أربعة:

منهم من كان مذهبهم ما ذكرنا: أنهم كانوا يخلصون له الدعاء في حال الشدة ويكفرون في حال الرخاء.

ومنهم من كان يؤمن به في حال الرخاء والنعمة ويكفر به في حال الشدة، كقوله:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } الآية [الحج: 11]. وهم أهل النفاق.

ومنهم من يكفر به في الأحوال كلها كقوله: [...].

والفرقة الرابعة هم أهل الإسلام يؤمنون به في حال الرخاء وحال الشدّة في الأحوال كلها، على هذا كانوا في الأصل، وعلى هذا يجيء أن يكون قوله: { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } من الأصنام، كقوله:ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] فيكون إياسهم من الأصنام التي عبدوها.

لكن أهل التأويل صرفوا إلى ما ذكرنا من الإياس عن الخير من [أن يعود إليهم.

وقوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ }: لسنا نعلم إزاء أي سبب كان هنالك حتى قال: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ }؛ إذ إنه يجوز أن يقال هذا بلا سبب كان منهم، لكن يشبه أن يكون] قال هذا على الإياس من إيمانهم لما لم يزدهم دعاؤه إياهم وكثرة تلاوة آياته عليهم وإقامة حججه عليهم - إلا عناداً وإنكاراً، فقال عند ذلك: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } ، أي: على دينه وطريقته، كقوله:لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6]، وكقوله:وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41]، فهو كله على الإياس عن أن يؤمنوا به ويقبلوا دينه، ثم قال: { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } ، أي: ربكم أعلم بمن منا على الهدى، ومن ليس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7