الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } * { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } * { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } * { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }

قوله - عز وجل -: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ }.

يحتمل الأمر بإقامة الصلاة: الأمر بالدوام عليها واللزوم بها، أي: الزم بها وأدها.

أو اسم التمام والكمال، أي: أتممها وأكملها بالشرائط التي أمرت بها.

ويحتمل قوله: { أَقِمِ }: فعلها، ولم يفهم من قوله: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } الانتصاب على ما ينصب الشيء ويقام به؛ فدلّ أنه لا يفهم من الخطاب ظاهره.

وقوله - عز وجل -: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ }.

اختلف فيه: قال بعضهم: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } زوالها { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } ، أي: إلى ظلمة الليل { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } ، أي: صلاة الفجر، فيقول [بعض] الناس: في هذه الآية بيان أوقات الصلوات الخمس جميعاً؛ لأنه ذكر أول ما يجب من الصلاة وهي الظهر إلى ما ينتهي وهي الفجر؛ فعلى هذا التأويل { إِلَىٰ } لا تكون غاية، ولكن تكون كأنه قال: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } ، والله أعلم.

[وقوله - عز وجل -: { لِدُلُوكِ } اختلف فيه:

قال بعضهم: دلوك الشمس: زوالها { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } ، أي: إلى ظلمة الليل].

ومنهم من يقول: فيه ذكر صلوات النهار؛ لأنه ذكر دلوك الشمس، وهو زوالها { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } ، وغسق الليل هو بدوّ ظلمة الليل.

فيدخل فيه الظهر والعصر؛ فعلى تأويل هذا يكون حرف { إِلَىٰ } غاية لا تدخل صلاة الليل فيه.

ثم تخصيص الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر له بإقامة الصلاة يكون كأنه قال: (أقم لهم الصلاة)، فإن كان هذا، ففيه دلالة صحة صلاة القوم بصلاة الإمام، وتعلق صلاتهم بصلاة الإمام حيث قال: (أقم لهم الصلاة)، ولو كان كل أحد يقيم صلاة نفسه، لكان لا يقول: (أقم لهم الصلاة)، ولكن يقول (صل الصلاة)؛ فدلّ أنه على ما ذكرنا.

ثم قوله: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ }: يحتمل وجهين:

أحدهما: أقم الصلاة للذي تدلك له الشمس [أي: تسجد] كقوله:يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ... } الآية [النحل: 48].

والثاني: أقم الصلاة للوقت الذي يتلو دلوك الشمس الصلاة [وأقم قراءة الصلاة].

ثم تخصيص الفجر لما ذكر حيث قال: { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } ، التخصيص لقرآن الفجر لأنه مشهود، والفرضية بها بقوله: أقم قرآن الصلاة على ما ذكرنا.

ثم قوله: { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [أي: لم يزل في علم الله كان مشهوداً، أو صار مشهوداً]، ثم قال: { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ }: وهي صلاة الفجر، وإنما ذكر صلوات النهار فدخل صلوات الليل بقوله: { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ } ، لكنهم يقولون: إن التهجد بعد النوم، وقد يكره النوم قبل فعل المغرب والعشاء فلا يصح هذا.

ومنهم من يقول: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } غروبها، وهو قول عبد الله بن مسعود وغيره.

وقال بعضهم: فيه ذكر صلوات الليل؛ لأنه ذكر بدوّ ظلمة الليل، وذلك بالغروب، وقرآن الفجر وهو آخر ما ينتهي ظلمة الليل؛ لأنه يبقي ظلمة الليل إلى وقت الفراغ من الفجر.

السابقالتالي
2 3 4 5