الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ }.

دل هذا على أنه قد كان من الكفرة شيء من الدعاء إلى شيء: يصير به مفتوناً لو أجابهم إلى ذلك، وكذلك كانت عادة الكفرة: كادوا أن يضلّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتنوه عن الذي أوحي إليه، ويصرفوه عنه، كقولهم:ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } [يونس: 15]، هكذا كانت عادتهم: كانوا يطلبون منه الافتراء على الله والضلال على وجه المكر به، لا ضلال تصريح وكفر تصريح؛ ولكن معنى؛ يؤدي ذلك إلى الضلال والكفر، يريدون منه المساعدة لهم في بعض ما هم فيه بما كانوا يرونه من الموافقة له والمساعدة، لكن الله عصم رسوله عن جميع ما كانوا يطلبون منه؛ بالآيات والحجج التي ذكر في كتابه، وبالعقول؛ كقوله:فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... } الآية [النساء: 65]: أخبر أنهم لا يؤمنون حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى. ومن لم يكن معصوماً يجوز أن يوجد منه حرج مما قضى به، وكقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [الأحزاب: 57]، ومن لم يكن معصوماً يجوز أن يؤذي ولا يلحقه اللعنة، وقوله:وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ... } الآية [الأحزاب: 36]، فمن لم يكن معصوماً يجوز أن يكون الخيرة من أمره، وقوله:وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 1]، وأمثاله [من الآيات] مما يكثر عدّها.

وكذلك العقول تشهد أنه كان معصوماً؛ فمن أراد أن يصرف ويزيل عنه العصمة بتأويل يتأوّله في بعض الآيات، أو بحديث يرويه - فإنا لا نقبل تأويله، ولا خبره الذي روي، ونشهد أنه كذب.

ويجوز أن يكون في خبره الذي روي معنى آخر سواه؛ فليس له أن يروي إلا بالمعنى الذي كان فيه؛ فتأويل أهل التأويل أنه ألقى الشيطان ولقنه عند تلاوته:أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] - تلك الغرانيق العلا، وشفاعتهن ترتجى.

وقال بعضهم: لا ندعك تستلم الحجر إلا أن تستلم آلهتنا، ونحوه.

إن ذلك كله فاسد خيال؛ أنه كان لا يحوم حول أصنامهم في حال صغره، ولا رأوه دنا منها؛ حتى لم يطمعوا ذلك منه ما دام صغيراً؛ فكيف طمعوا ذلك الاستسلام لها بعد ما أوحي إليه وصار رسولاً؟!

وكذلك ما ذكروا أنهم طلبوا منه أن يطرد بعض الذين اتبعوه - عنه؛ ليكونوا هم أتباعه؛ فهم أن يفعل ذلك فنزل: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } ، لكن ذلك كله فاسد خيال، لا يحتمل ما توهموا فيه؛ لأنهم لم يعرفوه حق معرفته، وإلا لو عرفوه حقيقة المعرفة ما توهموا فيه شيئاً من ذلك، وبالله التوفيق والمعونة.

السابقالتالي
2 3