الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

قوله - عز وجل -: { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ }.

قال الحسن: هذا صلة قوله: { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } ، فيقول: أي: يوم ندعو كل أناس بإمامهم.

ثم اختلف في قوله: { بِإِمَامِهِمْ }.

قال بعضهم: ندعو بإمامهم، أي: بدينهم الذي دانوا به وذبوا عنه، ويدعى كل بدينه الذي دان به وذبّ عنه.

وقال بعضهم: { بِإِمَامِهِمْ } ، أي: برؤسائهم وأئمتهم الذين أضلّوهم، أي: يدعى الأتباع بأئمتهم ورؤسائهم الذين أضلّوهم حتى يلوم بعضهم على بعض، ويلعن بعضهم على بعض، ويتبرأ بعضهم من بعض؛ كقوله:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ... } الآية [البقرة: 166]، وقوله:وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [العنكبوت: 25]، وقوله:يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31] يدعى الأتباع بالمتبوعين.

وقال بعضهم: يدعى كل أناس بداعيهم الذي دعاهم: إن كان رسولاً فبالرسول، وإن كان شيطاناً فبالشيطان، وهو قريب مما ذكرنا.

وقال بعضهم: { بِإِمَامِهِمْ }: كتابهم الذي كتب الملائكة أعمالهم فيه.

وقال بعضهم: يدعى بكتابهم الذي أنزل عليهم، يدعى كل بما ذكر؛ ليعلموا أن الحجة قد قامت عليهم، ووجب لهم العذاب باتباعهم ما اتبعوا بلا حجة ولا برهان.

وحاصل أقاويل هؤلاء ترجع إلى وجوه ثلاثة:

أحدها: يوم ندعو إمام كل أناس: كان إمامهم في خير أو شر فيجزى له جزاؤه، ثم يكلف هو دعاء أتباعه إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب.

والثاني: يدعى كل إمام ورئيس في خير أو شرّ بأتباعه الذين يتبعونه فيما يدعوهم إليه نحو كل رسول يدعى بقومه الذين اتبعوه، وكل رئيس وشيطان استتبعهم.

والثالث: { بِإِمَامِهِمْ }: كتابهم الذي كتب لأعمالهم الذي كتبوا؛ كقوله:وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13]، ونحوه.

وقوله - عز وجل -: { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ }:

كلهم قد يقرءون كتابهم، غير أن المؤمن إذا نظر في الكتاب - فرح به واستبشر بما فيه، فسهل عليه القراءة، وهانت لما كان يتبع حجج الله.

وأمّا الكافر إذا نظر في الكتاب، حزن واغتم به؛ فعسر عليه قراءة كتابه، وهو كقوله:فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } الآية [الحاقة: 19-20]، ويقول الكافر:يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ... } الآية [الحاقة: 25]؛ لأنه اتبع ما اتبع بلا حجة.

أو أن يكون المؤمن إذا نظر في كتابه، رأى سيئاته مغفورة، كقوله:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [الأحقاف: 16] - فرح بذلك، والكافر إذا رأى سيئاته باقية عليه، وحسناته قد بطلت - حزن بذلك واغتم؛ لذلك قال ما قال، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }.

السابقالتالي
2